قليلٌ ما ينتابنا شعورٌ بالفرح في هذا البلد. هذه البقعة من العالم تنام وتصحو على روايات دامية وفضائح فساد وسوء إدارة ويفتقر قاطنوها إلى الحد الأدنى من الخدمات. لكن هناك ما يجعلنا سُعداء. هناك ما يدفعنا نحو التفاؤل من دون سببٍ جوهري.

على طول الطريق من الشمال إلى العاصمة لا شيء يُعكر صفو النهار الجديد. تبدو الحياة هانئة. ترفع إحدى الفتيات صوت الراديو في سيارتها. تردد مع "الشحرورة": "ألو ألو ألو بيروت من فضلك يا عيني...عطيني بيروت". تمرّ السيارات بهدوء. لا حاجة إلى السرعة الجنونية اليوم. تنقشع الرؤية على طول الأوتوستراد. يا له من مشهد نادر! لا وجود لأرتال السيارات المتوقفة في الزحمة عند مدخل جونية. عادةً، يتحول الطريق المذكور إلى مرأب ضخم متكدس. من منّا لم يكن يوماً ضحية هذا السجن الواسع؟ من منا لم يمضِ ساعات طويلة مكبلاً بانتظار "قلبة الدولاب"؟ كم منا فاتته مقابلة عملٍ أو تأخر على موعدٍ غرامي بسبب الازدحام المروري؟ انعدام "عجقة السير" سببٌ يبعث فينا الفرح على نحو خاص، ولو في شكل مؤقت ونادر وصعب.

"الطريق مفتوح، مافي عجقة سير"، عبارة كفيلة برسم ابتسامة على وجه "شوفير" الفان. وكأنها كلمة السرّ. فور سماعها نشعر براحة نفسية لامتناهية ونتابع القيادة بأعصابٍ هادئة. تغمرنا طمأنينة ونشعر بأننا نهيم بأمان.. "واو شو حلو"!

ببساطة تُفرحنا الطرقات الفارغة. لا بل تفرحنا جداً. يبهرنا المرور على اتوستراد خالٍ من السيارات والزحمة. تكاد تكون هذه أمنيتنا لكل يوم. قد نتوهم أنه "يوم الحظ".. لكنه في الحقيقة مجرد يوم عطلة!

ولكن وفي المقلب الآخر من الأوتوستراد يبدو المشهد معاكسًا، خصوصًا بالنسبة إلى قاصدي الجبال الواقعة على الطرف الآخر من نفق نهر الكلب. وبالطبع لن يكون المشهد المسائي كالمشهد الصباحي.