ينشغل العالم بكيفية حماية النساء من التحرّش الجنسي لاسيما بعد انتشار فيديو أثار جدلاً حاداً في المغرب، ويصوّر مجموعةً من الشبّان تعتدي بوحشية على فتاة معاقة ذهنياً، في حافلة. هذا الفيديو صدم العالم، خصوصاً أنّ أحداثه البشعة والمهينة تتكرّر بمواقف مختلفة ومع أشخاص مختلفين في شتّى أنحاء الكرة الأرضية وتبقى طيّ الكتمان إذ لا تلتقطها عدسة الكاميرا. تخاف الضحيّة، من نظرات المجتمع ولا تُبلّغ عن التعدّيات، وتعيش الغضب والإهانة والتوتّر والذعر بصمت يمزّقها نفسيّاً كما مزّقها الاعتداءُ جسديّاً.من المعروف أنّ الاعتداءات الجنسية في الأماكن العامة في المغرب ليست بقليلة. في المقابل، لم يبادر البرلمان المغربي بعد إلى إقرار مشروع قانون يدين التحرّش بالنساء في الأماكن العامة على رغم كونه موجوداً وكاملاً، إلّا أنه لازال قيد المناقشة.

حالُنا في لبنان ليست أفضل. جمعياتُ وهيئاتُ المجتمع المدني مدعومة بوزارة الدولة لشؤون المرأة تناضل لحثّ مجلس النواب على إقرار مشروع قانون يحرّم التحرّش الجنسي في الأماكن العامة، بعد موافقة الحكومة عليه. هذا المشروع تقدّمت به وزارة الدولة لشؤون المرأة ويفرض عقوبات على جريمة التحرّش الجنسي، في مجتمعٍ لم يعِ قسمٌ منه خطورة هذه التعدّيات.

فلطالما ضغطت المجتمعات التقليدية لـ«زرب» بناتها في البيت وأباحت لـ«الرجال» فعل ما يحلو لهم والتحرّش بمَن يصادفونها في الشارع أو في أيّ مكان إشباعاً لغرائزهم ونزواتهم المكبوتة. وكيف تشتكي الضحيّة في ظلّ غياب إطار قانوني يحميها وسيف مجتمع متخلّف مُسلط فوق رأسها يُحلّل للرجل الفظائع ويحمّلها مسؤولية أعماله المشينة.

وكم من مرّة سمعنا أشخاصاً يتّهمون مُغتصبةً باغتصابها، أو يعتبرون التحرّش الكلامي في الشارع أمراً طبيعياً وعابراً. هذا إن لم يبادر أحدهم إلى ضرب مَن تحرّش بحبيبته أو ابنته أو أخته في أيّ مكان عام. نعم، في غياب الإطار القانوني وربط التحرّشات بالشرف كلٌّ يُحصّل حقّه بيده.

المشكلة في الذهنيات أيضاً

وسط كلّ هذا الجدل، تجدر الإشارة إلى أنّ سنّ قوانين تُجرّم التحرّش سيحدّ حتماً من الظاهرة ويدينها، إلّا أنّ هذه الخطوة ليست كافية للقضاء على التحرّش.

في بريطانيا

بريطانيا مثلاً تُحرّم التحرّش بالنساء من خلال قانون صارم، إلّا أنّ الاعتداء عليهن في الشوارع ووسائل النقل لا يتوقّف في ظل غياب الوعي واكتظاظ البلاد بشتّى الجنسيات والعرقيات.

ويعتبر القانون البريطاني لمسَ بعض أعضاء الجسم لاسيما المناطق الحسّاسة، وتحديق النظر، والدعوات المتكرّرة للخروج في موعد، وإرسال صور مخلّة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتقبيل عنوةً، وغيرها من السلوكيات اعتداءً وتحرّشاً جنسياً. كما يجرّم القانون الاتصال مع قاصر لأغراض غرامية أو جنسية، عن طريق التواصل الشخصي المباشر أو الإلكتروني. ويدين الإتصال الجنسي مع شخص فاقد للوعي أو في حالة سكر.

وعلى رغم هذه القيود المفروضة قانونياً يرتفع الجدل بين مؤيّد ورافض لتخصيص عربات قطار للنساء فقط في بريطانيا، تحميهنّ من مضايقات المتحرّشين المنتشرين بكثافة. منذ بضعة أيام فتح الجدل النائب في البرلمان البريطاني ديربي نورث حين نقل عن «بي بي سي» أنّ الاعتداءات الجنسية في وسائل النقل تضاعفت في الـ 4 سنوات إذ قفزت من 650 اعتداءً عام 2012 إلى 1448 اعتداءً عام 2016.

نتيجة ذلك، أعاد أحد أعضاء حزب العمّال البريطاني كريستوفر ويليامسون طرح فكرة تخصيص عربات في القطار للراغبات من النساء في السفر منعزلات عن الرجال.

ولكنّ معارضي هذا الطرح وبينهم النائبة من حزب العمال ستيلا كريزي يؤكدون أنّ المشكلة في المعتدين وليست في مكان النساء في القطار. ويخشى المعارضون أن يزيد تطبيق هذا الطرح من الاعتداء على النساء اللواتي يخترن السفر في عربات مختلطة وأن يتمّ تبرير الاعتداءات عليهن لأنهن لم يسافرن في العربات المخصَّصة للنساء.

القانون والتوعية للقضاء على المتحرّشين

وسط كلّ المساعي العالمية لحماية النساء من التحرّش في الأماكن العامة لازال لبنان ينتظر مبادرة مجلس النواب لإقرار قانون بهذا الشأن يردع المعتدين الـ«بلا أخلاق» من الشاب الضجران في الطريق إلى أكبر مدير يستغل موظفاته في أماكن العمل.

التحرّش «مش_بسيطة» كما أكّدت الحملة الوطنية اللبنانية الداعمة لإقرار قانون تجريم التحرّش في لبنان، والتحرّش ليس إطراءً إنما هو مضايقات وإهانات للطرف الآخر، وقد آن الأوان لأن تبادر الدولة إلى حماية اللبنانيات من التحرّشات المنتشرة بدل تشجيع المجتمع على سترها وإفلات المعتدي ليعيد الكرّة.

ومن الضروري أن يترافق سَنّ القوانين مع تنشئة اجتماعية واعية تغيّر المعتقدات والنظرة تجاه النساء، وترفع مستوى التعامل مع المرأة في المجتمع إلى كونها إنساناً له حقوق وليست رزقاً سائباً مباحاً كما تصوّرها الثقافة والذهنية الذكورية السائدة.