الشيعي كان وما زال معتر رغم انتصارات المقاومة، في بلدٍ يراكم فيه باسيل وربعُه انتصارات عدة
 

تمهيد: محمد نزّال وتعتير الشيعة

في مقالٍ لافت عن أحوال الطائفة الشيعية للصحافي محمد نزال في جريدة الأخبار، يلاحظ فيه الكاتب مفارقات عدة، فقد أحرزت الطائفة معجزات عجز عنها العرب مجتمعين منذ عقود، فحرّرت أرض الجنوب اللبناني وأرغمت العدو الإسرائيلي على الإنسحاب والاعتراف بخذلانه، وأتبعت ذلك بتحرير الأسرى بعد معارك تموز المظفرة عام ٢٠٠٦، وانطلقت بعد ذلك وراء الدواعش والتكفيريين في الداخل والخارج، واجتازت الحدود كأنّها تحارب العالم. ولكن، يا للمفارقات! هذه "الانتصارات الشيعية" ما هي ترجمتها على الأرض؟ في الكهرباء، يقول نزال، أسوأ تغذية في المناطق الشيعية، "أوباش" المولدات الكهربائية يعيثون فساداً في هذه المناطق الشيعية، نشأت في البلد حرفة جديدة (الفاليه باركينغ)، أي هؤلاء الذين يخدمون الأغنياء والارستقراطيّين ، وسيّدات المجتمع، فيفتحون لهم أبواب السيارات ويتولّون أمرها، وفي غالبيتهم شيعة، الذين يعانون آفة المخدرات والملاحقات القضائية معظمهم (للأسف وحسب نزال دائما)  شيعة، وكأنّنا عدنا إلى فترة الخمسينيّات والستينيات من القرن الماضي، عندما كان "عتّالة المرفأ" والحمالون وماسحو الأحذية شيعة، وهذه الضاحية "الشّموس" كما وصفها يوماً الرئيس برّي، يرى نزال أنّ العيش فيها أصبح "غير صالح" بشرياً، هكذا إذن، هي مرتع للضواري والخارجين على القانون، ويضرب مثلاً على ذلك: رجلٌ أربعيني يُعتدى عليه بالضرب أمام زوجته وطفلته، ويغرق بدمائه، فلا يجرؤ أحد على مساعدته، أمّا رجل الأمن على الحاجز، فينصحه بالهروب طلباً للنجاة، ويُعينه بتحديد الاتجاه الذي عليه أن يسلكه.
وينتهي نزال بخلاصة أنّ الشيعي كان وما زال "معتر" رغم انتصارات المقاومة، في بلدٍ يراكم فيه باسيل وربعُه انتصارات عدة، في الصفقات والتوظيفات وتكدّس الثروات، (وهذه من عندي ، ولا علاقة لنزال بها).

إقرأ أيضا : دعارة علنية تحت مسمّى زواج المتعة!

أولاً: التجربة النبوية الشريفة

حبّذا لو يتّعظ بما تقوله وتدعو له يا سيد نزال "المنتصرون" على الدوام، رغم دماء الشهداء والضحايا والمآسي والدموع والأرامل والأيتام، وحبذا لو يتعظ رئيس تحرير الأخبار فلا يتوعّد المخالفين لنهجه وعقيدته بقطع الأعناق، فالتجربة النبوية ما زالت ماثلة في وعي الشيعة وضمائرهم، فلم تمض سنينُ معدودات على وفاة الرسول (ص) حتى تسلّم الأمويّون الحكم والخلافة، وهم الذين ناصبوا الدعوة العداء وحاربوها، وتوالت بعد ذلك مصارع الطالبيّين ،كما لا يخفى على أحد.

إقرأ أيضا : أسئلة وهواجس : لماذا إقرار محافظات جديدة؟

ثانياً: تجربة عروة بن الورد العبسي

وعروة هذا كان صعلوكاً كما وصف نفسه، كره طريقة حاتم طي في إطعام المساكين ومساعدة المحتاجين، فقرر أن يجمع حوله أقرانه الصعاليك، الذين لا يملكون شيئاً، ولا ينتظرون كرم الأغنياء وحسناتهم، فقال لجماعته: تعالوا نجعل رزقنا في أسنّة رماحنا. وتتبّع صاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني أخبار عروة الصعلوك، الذي جهّز جيشاً من "المعترين" بلغة نزال، فيداوي المريض، ويعين الضعيف، ويقي جماعته الحرّ والقرّ، ثم يُغيرُ بهم في سنوات القحط والجدب، ويقسم بينهم الغنائم على السواء، إلى أن انتهى أمره في شتاءٍ شديد، ومعه ناقتين دهماوين مع أصحابه، فنحر لهم إحداهما، وحمل متاعه على الأخرى، ونزل بهم في موضع يدعى ماوان، ثم إنّ الله قيّض له رجلاً صاحب مئةٍ من الإبل، قد فرّ بها من حقوق قومه، فقتله عروة وأخذ الإبل وامرأة القتيل، وكانت حسنة المنظر، فحلب النياق ، وأقبل يقسم الإبل بين أصحابه، فأخذ نصيبه مثل نصيب أحدهم، فقالوا: لا واللات والعزّى، لا نرضى حتى تجعل المرأة نصيباً، فمن شاء أخذها، فجعل يهمّ بأن يحمل عليهم فيقتلهم وينتزع الإبل منهم، ثمّ يذكُر أنّهم صنيعته، وأنّه إن فعل ذلك أفسد ما كان صنع، فتفكّر طويلاً، ثم أجابهم بأن يتنازل عن حُصّته من الإبل، ويمضي بالمرأة، فأبوا ذلك حتى تطوّع رجلٌ منهم، فجعل له راحلة كانت من نصيبه.

إقرأ أيضا : هل كُتب على اللبنانيين أن يلاحقهم الإرهاب حتى في بوركينا فاسو؟
ومات عروة كما مات حاتم، والأغنياء أغنياء والفقراء فقراء، أو معترين كما وصفهم نزال.
وبعد، وإذ لا يحسُنُ بالعاقل أن يتّعظ بسيرة صعلوك، إنّما من الواجب وإصابة الحق الاقتداء بسيرة الرسول، ولكم في رسول الله أسوة حسنة يا أولي الألباب.