في ذكرى المصالحة في الجبل تكشَّفتْ ألسنةُ نارٍ جديدة من تحت رماد «تفاهم معراب» فارتَدَتْ «سيّدةُ التلَّة» في دير القمر ثوباً برتقالياً، وارتفع صليب القوات معقوفاً في مطرانية بيت الدين، فكان الإنقسام الماروني مكرَّساً برعاية الروح القدس وحضور البطريرك الماروني، فلا «شركة ولا محبّة...»
 

هذا اليوبيل الـ «16» للمصالحة الذي حدَّدَتْه احتفالية الذكرى كان أبرز ما فيه الرقم «16» وقد جاء صائب الإختيار قياساً على نسبة المهجرين الذين عادوا الى قراهم والتي لم تبلغ أكثر من «16» في المئة، ومع هذا يصبح من الأجدى أن تكون الإحتفالية بذكرى الأربعين للتهجير لا بذكرى المصالحة.

وفيما كانت ذكرى المصالحة مناسبة جديدة للخلاف والإختلاف بين الأحزاب المارونية، تكفَّل الصُداعُ الموقّت بإنقاذ الوزير وليد جنبلاط من التورُّط، حين ارتفع الصُداعُ لدى الأحزاب المارونية وتفاقم التصدُّعُ والوجع المؤلم في الرأس.

يقول الدكتور ماريو عون مرشّح التيار الوطني الحرّ للإنتخابات النيابية السابقة في الشوف: «تمَّ تجاهلُ القوى السياسية للتيار الوطني في الجبل لذلك قررنا مقاطعة الإحتفال...» وهكذا كان الجهل مسؤولاً أيضاً عن تجاهل المسؤولين في الكتائب والأحرار وسائر الفاعليات... فقاطعوا.

لا يزال «تفاهم النيات» الذي انطلق من «معراب» يحاول تغطية الخلافات السياسية بالتعابير القاموسية: بين ما هو خلاف وما هو اختلاف، فيما القاموس لا يفرّق بينهما بقوله: «تخالفوا واختلفوا: ضدّ توافقوا واتفقوا»... على أنّ العبارة التي تحكم اتفاق معراب هي «الإخْلاف» الذي يفسّره لسان العرب لإبن منظور: بعدم الوفاء بالعهد.

الوزير ملحم رياشي لا يخفي أمام شباب القوات مسلسل الخلافات والإختلافات المتراكمة بين حزب القوات والتيار الوطني الحر فيقول: «أكذب عليكم إذا قلت ليس هناك خلافات بين القوات والتيار ولا سيما حول أسلوب الحكم والسلطة...»

إنه المرض الماروني المتأصِّل عميقاً في النفوس وقد اشتدَّتْ حدَّتُه مع انخفاض مستوى التمثيل السياسي دونما اتّعاظٍ بما غبَرَ من الأحداث والعِبَر، إذْ ما هي قيمة المصالحة مع الآخر، إذا كانت على حساب الخلاف والإختلاف مع الذات.

لقد أعلن الوزير جبران باسيل في افتتاح مكتب التيار الوطني الحر في بلدة شعث البقاعية: «إننا نطمح إلى أن نكون التيار الشيعي الثالث...»
فكيف يمكن تحقيق الطموح في التيار الشيعي الثالث، إذا ما فشل تحقيق الطموح في التيار الماروني الثاني.

خلافٌ وتعارضٌ وانقسام واختلاف على: المقاومة وسوريا وحرب الحدود وحرب الجرود، وعلى المقاعد الوزارية والوزارات السيادية والقرارات الحكومية، وعلى البواخر وقانون الإنتخاب والتعيينات والترشيحات والمستشفيات، كما على أسلوب السلطة والحكم والمصالحة في الجبل.

فإذا كان الخلاف مستفحلاً حول كل هذه القضايا الأساسية والأمور: فعلى ماذا إذاً يكون الإتفاق...؟

وكيف إذاً، ستكون ضراوة المعارك على المقاعد الإنتخابية، وعلى المقعد الشيطاني الأكبر الذي كان السبب الأكبر في تأجيج التقاتل والحروب...؟
يقول مثلٌ روسي: «قد يفقد الذئب أسنانه ولكن لا يفقد طبيعته...»

ويقول ماروني لبناني: سألتك ربّي: أن تنجّينا من حروب الإلغاء.