لا تزال الحكومةُ اللبنانية تعيش في غيبوبةٍ وتهمل ملفّ النازحين الذي يُعتبر، باعتراف كثيرين، قنبلةً موقوتةً قد تنفجر يوماً ما.
 

على رغم الأزمة الإقتصادية والإجتماعية والأمنية التي تسبّبها كارثةُ النزوح، فإنّ الهاجسَ الديموغرافي الذي تحدثه يبقى الأهم، خصوصاً أنّ لبنان لم يعد يتحمّل مزيداً من الخضّات الأمنية والسياسية.

وتُعتبر المسألةُ وجوديةً أكثر ممّا هي طائفية أو سياسيّة، فلبنان قائمٌ على التوازن المسيحي- الإسلامي، فاذا إختلّ هذا الميزان سيفقد علّة وجوده، ويصبح شبيهاً بمعظم بلدان المنطقة ذات الغالبية الإسلامية. من هنا يبرز تحرّكٌ على أكثر من صعيد للحفاظ على الهوية اللبنانية مع أنّ المجتمع الدولي غيرُ مبالٍ أساساً بحجم الأزمة، ويبدو أنّه لا يتفهّم الحساسية اللبنانية رغم أنّ غالبية الدول الكبرى تتدخّل في أدقّ التفاصيل، وتعرف عن لبنان أكثر من بعض اللبنانيين.

ويبرز في هذا الإطار، خوفٌ مسيحيٌّ دائم من القضاء على الصيغة اللبنانية، إذ إنّ إضافة نحو مليون ونصف مليون نازح سوري الى نحو أكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني وجميعهم من غالبية إسلامية ساحقة ستقلب الموازين رأساً على عقب، والأمورُ لا تُقاس بسنة أو خمس سنوات بل على الأمد الطويل، فاللبناني الذي هاجر أو تهجّر الى أوستراليا وأميركا وأوروبا سيصبح من الصعب عليه العودة الى وطنه الأمّ، وكذلك الأمر بالنسبة الى السوري الذي يعتبر لبنان الرئة التي يتنفّس منها، فلن يغادر ويعود الى بلاده.

وفي هذه الأثناء يواصل عددٌ من المنظمات إعطاءَ الأموال والمساعدات للنازحين في حين أنّ قسماً كبيراً منهم فتح مصالح في لبنان، وبالتالي فإنّ هذا النازح بات مرتاحاً، وأصبح وضعُه أفضل من اللبناني الذي يتحمّل أعباءَ النزوح.

ومن جهة أخرى، لن تُقدم واشنطن على أيّ خطوة تجاه حلّ أزمة النزوح في لبنان في هذا الوقت، فقد علمت «الجمهورية» أنّ اللوبي اللبناني الموجود في أميركا، والذي يعمل لحلِّ عددٍ من الأزمات التي تعصف بوطن الأرز وأبرزها السلاح غير الشرعي والنازحون، يجد صعوبةً في تلبية الإدارة الأميركية لمطالبه.

ووفق المعلومات، فإنّ إدارة الرئيس دونالد ترامب أبلغت هذا اللوبي أنها ترغب في مساعدة لبنان والوقوف الى جانبه للتخلّص من «هيمنة» «حزب الله» أو حلّ أزمة النازحين، لكنّ ترامب منهمكٌ في معالجة أوضاع إدارته والانتهاء من «تركات» الرئيس السابق باراك أوباما الذي أدخل أشخاصاً إسلاميّين تحوم شبهاتٌ حول تشدّدهم الى مراكز مهمّة، بحيث إكتشف أنّ أميركا تخطو خطوات سريعة لتشبه أوروبا التي إستقدمت النازحين، ومن جهة ثانية يعطي إهتماماً خاصاً لمعالجة أزمة المهاجرين.

كل ما يحصل داخل الإدارة الأميركية، يُعطي إنطباعاً بأنّ واشنطن لن تساعد في حلّ أزمة النازحين بطريقة مباشرة، لكن هناك في تلك الادارة مَن يرى أنّ سياسة ترامب في خلق مناطق خفض نزاع، والمساهمة في القضاء على تنظيم «داعش» والإرهاب وتسوية أوضاع المنطقة ستؤدّي حكماً الى عودة النازحين الى ديارهم، وسيكون لبنان المستفيدَ الأكبر من هذا الأمر، مع العلم أنّ الدول الغربية التي استقدمت نازحين، راجعت حساباتِها بعد تفشّي الإرهاب وضرباته وتفجيراته في قلب أوروبا التي يسمّيها البعض «القارة العجوز».

وبالتالي، فإنّ الحكومة اللبنانية مطالبةٌ بخطّةٍ طارئة لمعالجة هذه الأزمة وعدم الإتّكال على الخارج، إذ مرّت 6 أعوام على بداية النزوح، وقد يمرّ 60 عاماً ويبقى الجدال حول طريقة تحقيق العودة، إن كان في الحوار مع النظام السوري أو عبر الأمم المتحدة.

وفي هذا الوقت تستمرّ مخاوفُ المسيحيين من التغيّر الديموغرافي، فلو نزح جميعُ مسيحيّي الشرق والذين يبلغ عددهم نحو مليوني شخص واستقرّوا في لبنان، لكانت ستتصاعد أصواتٌ إسلامية تحذّر من خطر النزوح، مع العلم أنّ كل طوائف لبنان مدرِكةٌ هذا الخطر، فالنازحُ الذي إستقرّ في المناطق السنّية فتح مصالح على حساب أهلها، وأزمةُ عرسال أكبر دليل على تضرّر أهلها من النزوح وتغلغل الجماعات الإرهابية بينهم.