أصبحت الجرود قاب قوسين او ادنى من التحرير، وعلى مشارف الخلاص من جيوب ارهابية أرّقتْ عيشنا وشعبنا لسنوات! تداعى العالم والقوى للقضاء على الإرهاب، وها هو يلفظ انفاسه الأخيرة في مختلف بقاع الأرض! هزمت فرنسا غزوة اليمين المتطرف، ونزعت بريطانيا غطاء الإتحاد الأوروبي! أرواح ودماء زُهقت على الأرض العربية ! خلافٌ وقع بين دول الخليج ووصل حدّ القطيعة! كلّ هذا وأكثر، ونحن كما نحن في لبنان، لا نتغيّر ! في كلّ ليلة، تطالعنا مقدّمات النشرات الإخبارية بملفات الفساد من هنا وصفقاتٍ من هناك، وبالإتهام والاتهام المضادّ بين الوزراء والمسؤولين، فنحتار من نصدّق وعلى اي اساس؟ 

إذا كانت السياسة فن خدمة الناس وإقناعهم، فإن كثراً من الساسة اليوم لا يعرفون الإقناع، وخير دليلٍ ما حدث قبل إقرار قانون الإنتخاب! أيُعقلُ أن نقرّ في لبنان، حيث نتغنى بالديمقراطية، وندّعي كلنا الفقه السياسي، قانوناً معقداً مشربكاً لا يفهمه حتى صانعوه؟ هنا، يتبيّن لنا أن الخلل جسيم! دعْكَ مما قيل وما كُتب عن الغايات الخفيّة التي تقف خلف هذه التركيبة ، وتعال نفنّد سويا ابرز مرتكزات القانون الغريب العجيب: أولاً، نظام الإقتراع نسبيّ مع توزيع طائفي مذهبي للمقاعد! وهنا يتجسّد حسّ الاختراع اللبناني، إذ كيف للنسبية ان تشكّل النظام الأمثل في بلدٍ تتوزع مقاعده النيابية على أكثريات وأقليات طائفية؟ إذاً، فقدت النسبية مبتغاها التمثيلي الصحيح! ثانيًا: اعتماد الصوت التفضيليّ الواحد وعلى أساس القضاء لا الدائرة، وهذا ما لا يختلف في تفسيره خبيران انتخابيان بأنه اعتمد لتكريس أكثرية ضمن النسبية في بعض الدوائر، وتحقيق أحلام البعض في بلوغ الندوة البرلمانية، ولو على حساب المنطق وقوة التمثيل! بناء عليه ، واذا كانت أسس القانون هشّة لا يفهمها الساسة أنفسهم ، فعلى القانون السلام.

من الإنتخابات وقانونها، الى الصفقات ومهندسيها، فمن مناقصة البواخر في الكهرباء، إلى الإتصالات والألياف الضوئية، يتجلى سوء تطبيق اتفاق الطائف بجعل الوزير ملكاً لامحدود الصلاحيات في وزارته، ويتحجيم دور الهيئات الرقابية التي هي وحدها القادرة على الحدّ من الهدر والفساد أينما وجدا، فإلى متى يبقى لبناننا هكذا، نكتب في الفساد مطوّلات، ولا نسمّي من هم الفاسدون حقّاً! إلى متى يتحملنا هذا اللبنانُ الصغير الجميل؟ الى متى يتحمل مسؤولينَ يتبادلون الشتائم والتهم، كلّ خلف جداره الطائفي والمذهبي؟ إلى متى سوف يتحمّل لبنان شعباً إن حكى فهو يعمم صفة الفساد ولا يميّز وزيراً فاسد وآخرُ نظيف الكفّ؟ 

أيا ليتَ كمال جنبلاط يعودُ إلينا ، فهو، وربّما هو وحده، قد يعيدُ الإعتبارَ لما تبقّى من مفهومٍ للسياسة في لبنان! 


زاهي وهبي