عندما تُقارن خطابات المسؤولين اللبنانيين ببعض الوقائع والأرقام لا يمكن وصفهم حينئذ إلا بـ"بائعي الكلام"، لاسيما عندما يتباهون بمشاريع لا تغيّر بواقع معيشة اللبنانيين شيئاً ويتسابقون على قطاف إنجازات "وهمية" بغالبيتها، ويجتمعون على عدم اطلاعهم على تقارير دولية تفضح الواقع الاجتماعي والتنموي اللبناني.

لا نتحدث هنا عن التقارير الدولية التي حذرت أكثر من مرة من تزايد أعداد الفقراء واتساع دائرة البطالة بين اللبنانيين، إنما نتناول حلول لبنان في مراتب متدنية جداً بين دول العالم لجهة الإلتزام بخفض اللامساواة. فلبنان سجلّ تأخراً كبيراً بين دول العالم لجهة العمل على تضييق الفجوة بين الفقراء والأغنياء.

وكشفت منظمة أوكسفام في تقريرھا عن "مؤشّر الإلتزام بخفض اللامساواة" 2017، أن لبنان سجّل أداءً ضعيفاً جدّاً إذ جاء عاشراً بين 12 دولة عربيّة شملھا الإحصاء و131 عالميّاً. وحصد المركز 138 على صعيد "الإنفاق على قطاعات الصحّة، التعليم، والحماية الاجتماعيّة"، و101 على صعيد "البنية التقدُّميّة ونسبة الضرائب"، و108 على صعيد "السياسات المتعلِّقة بسوق العمل والتي تُعنى باللامساواة".

فماذا يعني ذلك المؤشر الذي جاء ترتيب لبنان في قعر سلّمه؟

يعتمد مؤشّر الإلتزام بخفض اللامساواة على مجموعة معلومات عن مؤشّرات عدة يُقاس عبرھا العمل الحكومي في ثلاثة مجالات حسّاسة ھي الانفاق الاجتماعي، النظام الضريبي، وحقوق العمّال.

يكاد يكون الاهتمام في لبنان بالمجالات الثلاثة المذكورة شبه معدوم، لاسيما أن المقصود بالانفاق الاجتماعي هو الانفاق على الخدمات العامّة، تحديداً التعليم والصّحة والحماية الاجتماعيّة. أمّا بالنسبة إلى مكوِّن الضرائب، فالمقصود به هو مدى فعاليّة الضرائب التقدُّميّة وإعادة توزيع موارد المُجتمع، أما عامل حقوق العمّال فيظهر في إعطاء أُجور أعلى للعمّال العاديّين وحقوق أوسع للعمّال عموماً والنساء منھم خصوصاً.

الإنفاق الإجتماعي
بتفنيد وضع لبنان بالنسبة إلى المعيار الأول، أي الانفاق الاجتماعي، يتبين أن مجمل نفقات الدولة اللبنانية تتوزّع منذ عشر سنوات على خدمة الدين العام بنسبة 33%، ورواتب وأجور بنسبة 34%، ونفقات جارية بنسبة 21% ونفقات استثمارية 4% و8% تحويلات إلى كهرباء لبنان. أما الانفاق الاجتماعي فيندرج في خانة النفقات الجارية لجهة التعليم والصحة. أما لجهة الحماية الاجتماعية فلا تندرج في جدول النفقات ولا في برامج المسؤولين.

النظام الضريبي
بالنسبة إلى النظام الضريبي في لبنان، فحدّث ولا حرج، إذ تعمل الدولة بشكل فاعل على تركيز الإيرادات عبر الضرائب والرسوم من دون الأخذ بالاعتبار أن غالبية الضرائب المفروضة على المواطنين تسهم في إبراز التفاوت المعيشي بين الطبقات الاجتماعية وتعمّق الهوة بين الأغنياء والفقراء.

وجاءت سلة الضرائب التي فرضتها الدولة أخيراً لتثبت عدم جدوى النظام الضريبي، إذ جاءت الضرائب بغالبيتها غير مباشرة، أي أنها موجّهة إلى المواطنين بالتساوي بصرف النظر عن مستوى المداخيل. بالتالي، فإنها ستسهم حتماً بتوسيع هامش الفقر في لبنان وترسيخ "اللامساواة" الاجتماعية.

حقوق العمّال
أما العمال وحقوقهم فمن خلال عرض بعض الأرقام يمكن أن نستنتج مدى التفاتة الدولة إلى حق العامل وإصرارها على حمايته من جشع المؤسسات وأرباب العمل. ففي لبنان يُقدّر حجم عمالة الظل بنحو 52% من مجمل العمال بمعني أن 52% من عمال لبنان غير معترف بهم رسمياً وحقوقهم غير مصانة ولا يتمتعون بأي حق من حقوق العمالة كالطبابة والتعليم والتعويضات وغيرها..

وفي لبنان أيضاً يعمل نحو 10% من الأطفال (لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة)، وفي لبنان أيضاً تتقاضى النساء رواتب تقل عن زملائهن في العمل من الرجال الذين يمارسون الوظائف نفسها، ويُصرف مئات الموظفين سنوياً من وظائفهم دون أن تحرك الدولة ساكناً. كل ذلك يسهم حتماً في ترسيخ اللامساواة في لبنان.

بالنتيجة، فإن بلوغ لبنان مرتبة متدنية في "مؤشّر الإلتزام بخفض اللامساواة" يُعد خلاصة طبيعية لبلد تتجاوز فيه نسبة الطبقة الفقيرة 30%، ويستحوذ فيه 5% من مواطنيه على 95% من الثروات.