”شكراً لجميع الحلفاء وخاصة أشرف الناس“. هكذا كتب أحد كوادر ”التيار الوطني الحر“ محتفياً بفوز نقيب معلمي المدارس الخاصة رودولف عبود، وسقوط اليساري نعمة محفوض في منافسة حامية لم تكن لتُحسم بهذا الشكل لولا أصوات ”حزب الله“، سيما في بعلبك الهرمل.
هكذا انضم الحزب الى الثنائية المسيحية وبقية الحلفاء، للقضاء على آخر معاقل مواجهة السلطة في النقابات. اضطر الحزب لأن يتلهى لساعات عن مهماته الخارجية، ليكون شريكاً أساسياً ومحورياً في مجزرة الأمس. 
كان إسكات هذه النقابة مهمة غير سهلة، إذ استدعى تحالفاً واسعاً من مكونات السلطة مقابل لائحة مستقلة ومعارضة حازت على حوالى 43% من الأصوات. بات حجم الكتلة السكانية المعارضة والمستقلة في لبنان يستدعي مثل هذا التحالف الواسع وربما أكثر، للفوز، أو كما قال محفوض، للإطباق على ما تبقى من الحياة السياسية والنقابية.
وهذه مهمة جديدة تُضاف إلى سلة الحزب. إنجاح السُلطة انتخابياً حيث أمكن، عبر  هذه الكتلة البشرية المتراصة التي صقلها وأذاب أفرادها في مؤسساته التربوية والثقافية والعسكرية. فناخبو الحزب أقل تمرداً من غيرهم، ويمضون في خيارات قادتهم موتاً وانتخاباً، وكلاهما سيّان. لا يسأل قبل الموت والانتخاب، ولا بعدهما. ينثر الأرز في المناسبتين. 
ضرب من الغرابة أن يُصوّت مدرس فقير من منطقة محرومة ضد نقيب نشط وسينشط لتحسين ظروف معيشته، ولمصلحة ممثلي السلطة. وتجارب السلطة في النقابات جليّة في الصمت الرهيب المخيم عليها، إذ باتت أشبه بنواد مهمتها العلاقات العامة لا المطالبة بحقوق العمال وتحسين ظروف العمل.
وهذا الإحباط الداخلي امتداد لما يُصاغ خارجياً من عداوات ونزاعات وعلاقات مضطربة مع العالم. فبعلبك الهرمل مثلاً، وردت خلال الأسبوع ذاته في تقرير فرنسي كمقر لأحد مصنعي ذخائر وصواريخ يبنيهما ”حزب الله“ (الثاني يُشاد في الزهراني).
في الأسبوع ذاته، مال عمدة لندن صادق خان بعد ضغوط سياسية وشعبية إلى الطلب من وزارة الداخلية البريطانية، بأن تعتبر كل فروع حزب الله اللبناني، ارهابية، وبالتالي تحظر تأييدها على الأراضي البريطانية. وهذا يطال أولاً مؤيدي الحزب وبيئته في العاصمة البريطانية، وهم يُعدون بمئات العائلات على أقل تقدير، وثانياً لبنان بأسره. 
وقرار عمدة لندن لم يأت من فراغ. قبل ثلاثة أسابيع، وتحديداً في يوم القدس، أي الجمعة الأخير من شهر رمضان، نظم موالون لـ”حزب الله“، مسيرة في وسط لندن، رُفعت فيها أعلامه الصفراء ولافتات وشعارات. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اتهم أحد منظمي هذه التظاهرة، وهو خُميني الهوى ومتعاطف مع الحزب، ”الصهاينة“ بالوقوف وراء فاجعة حريق مبنى غرينفيل الشهر الماضي. اتهام الصهاينة جزافاً بالوقوف وراء حريق أودى بحياة عشرات الفقراء، راكم الضغوط على العمدة. وكانت السلطات البريطانية أتاحت لأنصار الحزب افتتاح حسينية ومدرسة وإحياء مناسبات دينية لعقود، وحتى رفع الأعلام في مسيرات، فيما درس مسؤولون في حزب الله في جامعات بريطانية، وبعضهم حصل على منح.
لكن بريطانيا تتجه الآن لحظر شامل قد تليه اجراءات قانونية وسياسية ومالية، سيما أنها لن تكون بعد سنة أو اثنتين ملزمة بالقرارات الأوروبية. وبهذا يكون الإطباق، كما سماه محفوض يوم أمس، قد اكتمل عقده، بإنتظار المولود الموعود: الإنهيار!

 

مهند الحاج علي