كتب جوزيف طوق في صحيفة "الجمهورية": أيها اللبنازيون واللبنانيات، في صبيحة هذا اليوم المبارك حتى هذه الساعة، والذي يمكن أن يصبح ملعوناً بعد الضهر، أعلنت السلطات اللبنانية، في بيان صاعق، حال الطوارئ العامة في البلاد، وعمّمت على كافة الأجهزة الأمنية والعسكرية ضرورة فرض حظر تجوّل تام على كافة الأراضي اللبنانية، وذلك بين الساعة الثالثة عصراً والعاشرة مساء، أي طوال فترة إعلان نتائج شهادة الثانوية العامة وما يمكن أن يرافقها من مظاهر فرح وغبطة على أصابع بعض اللبنانيين، والتي يمكن أن تُترجَم مظاهر حزن وغضب عند البعض الآخر، وذلك حفاظاً على سلامة المواطنين الذين يمكن أن يسقطوا ضحية رصاصة طائشة.

هذا إعلان وهمي بتنا نحلم بسماعه وقراءته في يوم إعلان نتائج الامتحانات الرسمية في دولة الأمن بالتراضي وتفشّي السلاح في أيدي الآباء الأغبياء. وفقط عندما اعتقدنا أنّ مشاكل الماء والكهرباء والفساد والإنماء والتطوير والمعيشة والاقتصاد يمكن أن تُحَلّ بالمال ويصبح عندنا دولة من جديد، اكتشفنا أننا شعب قادر بقدرة قادر قدير أن يحوّل يوم ابتهاج بنجاح ولد إلى ليل انتحاب بموت ولد آخر. وهذا لا يمكن أن يحلّه لا مال ولا وساطات ولا حتى تدخلات دول العشرين، هذا لا يمكن أن يحلّه سوى كيسين رمل وخوذة وسترة واقية من الرصاص وملجأ في البناية أوّل الحيّ، وشويّة شمع وابتهالات للأنبياء والقديسين أن تكون جارتنا عاقر، أو أقلّه تكون سبابة زوجها مبتورة إذا كان عندهم أولاد.

النازي يقتل بسبب فكره الفاشي، والداعشي يرهب الناس بناء على إيمانه المنحرف، والسفّاح المتسلسل يكدّس ضحاياه بسبب عقَده النفسية، وكل من يقتل في هذه الدنيا له أسباب، باستثناء اللبناني الذي يقتل فقط لأنه يحنّ إلى صوت المؤثرات الخاصة في الحرب اللبنانية... فمهما تبدّلت الأحوال ومهما حلّ السلام، يبقى لهذه المؤثرات مكان خاص في العقلية اللبنانية الميليشياوية، وتحنّ اليها عند أبسط مناسبة او استحقاق. وفي لبنان بتنا نصلّي أن تكون نسَب النجاح في الامتحانات الرسمية متدنيّة، لا بل أن تكون كارثية، حتى لا يتثنّى للآباء الأغبياء، وما أكثرهم، أن يفرحوا بنجاح أولادهم.

مسيو كميل الذي نجح ابنه العام الماضي بشهادة "البروفيه"، يستعدّ اليوم لنتيجة ابنته تلميذة الترمينال، وخوفي أن تكون ناجحة ويضطر مسيو كميل عندها للاحتفال... لأنه يبدو أنّ الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي استعملها احتفاء بولده وقدّم له بواسطتها شهيدين على مذبح النجاح، لن تكون معبّرة كفاية أمام هيبة الشهادة الثانوية وضخامتها، وتجري الاستعدادات حالياً في بيت مسيو كميل لتزييت وتشحيم القطع الكبيرة والأسلحة الثقيلة والهواوين والمدافع وكلّ ما يمكن اعتباره مناسباً للاستعمال لحظة الفوز المجيد.

عند إعلان نتائج البروفيه كانت المسألة وطنية وشأناً لبنانياً داخلياً، أمّا اليوم ومع إعلان نتائج الثانوية هناك خشية إقليمية من تفاقم حماسة الأهل وإطلاق صواريخ باليستية طويلة المدى يمكن أن تهدّد الأمن الإقليمي وتوتّر العلاقات مع الدول الجيران.

وفي حضرة سياسة الأيدي الرسمية المكتوفة أمام نشاط الأيدي التي تفظّع ابتهاجاً، أصبح من الضرورة استحداث وزارة دولة لشؤون الأغبياء، تكون مهمتها غسل الأدمغة الماعزية وتنظيم دورات أسبوعية تحت عنوان "ابتهج بلا ما تفتح برّاد المستشفى"، وترسّخ فينا فكرة أننا لبنانيون ولسنا لبنازيون.