الجمهورية الإسلامية في إيران، أصبحت على موعد أسبوعي، لا يعرف أحد من الإيرانيين الرسميين والشعبيين، ماذا سينتج عنه، ولا إلى أين سيؤدي. منذ خمسين يوماً تقريباً، تخرج أعداد متزايدة من الإيرانيات وهنّ يرتدين حجاباً من القماش الأبيض. البداية كانت غداة انتخاب الرئيس حسن روحاني. أرادت بضع نساء في مجموعة أطلقت على نفسها على «مواقع التواصل الاجتماعي» اسم «حريتي المتسللة» الاحتجاج على إلزامية الحجاب. بدلاً من عدم ارتداء الحجاب أو تخفيفه بحيث يكون نصف الرأس مكشوفاً والإكثار من التبرُّج، ما يعرّضهن للتوقيف على يد «الباسيدج»، ارتدين حجاباً أبيض يُرتدى عادة في الأحزان. النتيجة جاءت سريعاً، تضاعفت أعداد النساء، ووقع «الباسيدج» في حرج غير مسبوق، لأنه لا يمكن نزع الحجاب عن رؤوس النساء، ولا اتهامهن بالإخلال بالقواعد الإسلامية. المبادرة تطوّرت إلى أكثر من عملية احتجاج. أصبح لها موعد هو نهار الأربعاء، ما أعطاها بُعداً اعتراضياً إلى درجة أن مواقع التواصل الاجتماعي أطلقت على المبادرة: «الانتفاضة البيضاء» تيمّناً بـ«الانتفاضة الخضراء» التي قُمِعت عام 2009 بالقوّة..

السؤال الكبير الذي يشغل الإيرانيين وهم يرون تزايد أعداد النساء: إلى أين ستصل هذه المبادرة؟ وهل يمكن أن تندمج في أي وقت مع حركة اعتراضية واسعة، فتضع النظام في وضع حرج حيث الصمت خطير والمواجهة أخطر، خصوصاً إذا انتشرت في مدن أخرى؟ والأخطر أن البلاد منذ فوز حسن روحاني بنسبة تصل إلى 58 في المئة على وقع تدفّق شبابي غير مسبوق على صناديق الاقتراع، وانكشاف الانقسام الحاد في «إيران العميقة» بين متشدّدين لا يريدون القبول بالهزيمة ولا التخلّي عن السلطة مهما بلغت كلفتها، ووسطيين و«إصلاحيين» يريدون الاستجابة لتطلّع الشباب للتغيير والانفتاح والحصول على فُرص العمل.

الرئيس حسن روحاني قال بصراحة نادرة: «توجد حكومة تملك بندقية مقابل حكومة لا تملك بندقية»، ويقصد بذلك «الحرس الثوري». وقد سارع ابراهيم رئيسي المرشح الرئاسي الفاشل، وهو يستقبل الجنرال قاسم سليماني في مدينة مشهد بحضور الشيخ أحمد جنتي رئيس «مجلس الخبراء» إلى القول: «إن أي تصريح وموقف من شأنه إضعاف دور الحرس يعارض المصالح القومية الإيرانية». «الحرس الثوري» دخل على خط المواجهة فأعلن الجنرال محمد جعفري وكأنه يطلب شهادة براءة ممّا يحصل «إن الحرس لا يمارس أي نشاطات ربحية وإنما يعمل على إزالة الحرمان». إلا أن اسحاق جهانغيري نائب روحاني الذي أثبت خلال المناظرات الرئاسية براعة سياسية بارزة ردّ على المتشدّدين بأن «البلاد تحتاج إلى مزيد من الهدوء والحوار من أجل تشكيل حكومة أقوى» لتهتم بأمور الإيرانيين الملحّة.

كل ما يجري حتى الآن من مبارزات واتهامات متبادلة على سطح الحياة السياسية في إيران، يؤكد أنها ليست أكثر من «الشجرة» التي يُراد منها إخفاء «غابة» الصراع على خلافة المرشد آية الله علي خامنئي. ذلك أن زيارة الجنرال قاسم سليماني، والشيخ أحمد جنتي إلى الشيخ ابراهيم رئيسي، محاولة لإعادة تعويم رئيسي ودفعه إلى الواجهة بعد فشله الذريع وتبلور ضعفه السياسي والإداري خلال الحملة الرئاسية، ليبقى اسمه متداولاً لخلافة خامنئي.

ما يؤشّر بقوّة إلى ضعف جبهة المتشدّدين في تقديم مرشح قادر على إثبات أهليته الفقهية والسياسية والإدارية التي تجعله مرشحاً مقبولاً قادراً على الحصول على الثقة الشعبية ومن ثم ترجمتها في الاقتراع له في «مجلس الخبراء» كما ينص الدستور الإيراني، أنه لم يتم حتى الآن انتخاب خليفة لآية الله هاشمي رفسنجاني لرئاسة مجلس «تشخيص مصلحة النظام»، ولا عضو في «مجلس الخبراء» رغم كل الجهود وتزايد الشعور الإيراني العام بعجز المرشد عن حلّ هذه المشكلة التي تتحوّل يوماً بعد آخر إلى «ثقب أسود» في المسار الخامنئي.

ما يؤكد كل ذلك، اللجوء إلى محاولة نزع «الولاية» من الخانة الشعبية باتجاه وضعها في خانة ما يشبه «القداسة» التي تحرفها باتجاه «الطالبانية» والغرق في طروحات آية الله مصباح يزدي، الذي يريد إلغاء «الولاية» وفرض «الإمارة» من جهة، ومن جهة أخرى كما يطمح الرئيس السابق أحمدي نجاد في فرض «المهدوية» (من الإمام المهدي). ولا شك أن انضمام علي سعيدي ممثل خامنئي في «الحرس الثوري» إلى هذا الخطاب يُشكّل بداية مواجهة كبيرة وخطيرة، لأنها عاجلاً أو آجلاً ستندفع شرائح عديدة من بينها شرائح من «الحرس الثوري» نحو الانخراط فيها سواء من الموافقين أو الرافضين لهذا التوجُّه. فقد قال سعيدي كما أوردته وكالة «تسنيم» الإيرانية:

* «إن ولاية خامنئي هي ولاية الله على الأرض، فهو لديه تواصل مع السماء».

* «إن دور الولي الفقيه يستوي مع دور النبي محمد (صلعم) خلال فترة صدر الإسلام».

* «مَن يعتقد أن ولاية الولي الفقيه تأتي من التأييد الشعبي فإنه ينافق ويعادي جبهة الحق ويقف مع المنافقين».

* «دور الشعب هو التعاون في إقامة النظام الإسلامي وليس إعطاء الشرعية للولي الفقيه».

* «لا يمكن حصر الولاية بالزمان والمكان».

* «مهمة مجلس الخبراء كشف الشخص المؤهل لمنصب الولي الفقيه وليس إعطاءه الشرعية».

يمكن البناء كثيراً على هذا الخطاب الخطير، ولكن لأنه من الأنسب عدم الدخول في تفسيرات شرعية تحمل تأويلات من الأفضل تجنّبها، فإنه يمكن الإشارة إلى أن هدف علي سعيدي ومَن يقف خلفه ومعه، إلغاء الدور الشعبي في كل عملية خلافة المرشد الحالي آية الله علي خامنئي لأنه لم يعد من الممكن للمتشددين ضمان الحصول على أغلبية شعبية في أي عملية دستورية لاحقة، مع التوجّه الضمني لإلغاء «الجمهورية» باتجاه «الإمارة» كما في أفغانستان الطالبانية.

عودة إلى «الحجاب الأبيض». يبدو أن النظام الإيراني يقف أمام ضرورة الحسم في خياراته والمسؤولية في ذلك تقع ولا شك على كاهل المرشد آية الله علي خامنئي، وهي ضخمة جداً لأنه سيتحمّل بعد 28 سنة من «الولاية المطلقة» بقاء الجمهورية بعد تطوّرها وانفتاحها، أو تفكّك النظام، وربما الأخطر تعرُّض إيران لانفجار شعبي تكون فيه «الانتفاضة الخضراء» تجربة اختبارية أمامها!