الأهم في ما يطرحه نصرالله يكمن في إعادة التذكير بأن لإيران القدرة على استخدام سلاح الفوضى في سوريا من خلال المحور الذي تقوده في حال تم استبعادها عن المشاركة في صوغ التفاهمات
 

في يوم القدس حذر الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إسرائيل في حال استهدفت الوجود الإيراني وميليشياته ومن ضمنه وجود حزبه في سوريا، قد تجد إسرائيل نفسها أمام مواجهة مع عشرات الآلاف من المقاتلين الذين سيتدفقون من أنحاء العالم نحو سوريا، الرسالة الإيرانية هذه التي جاءت على لسان نصرالله تأتي وسط تراجع جليّ لفصائل المعارضة السورية في الميدان، ومع انحسار تنظيم الدولة الإسلامية ميدانيا في العراق وفي سوريا، ووسط الحديث عن إعادة صوغ المشهد السوري إقليميا ودوليا، لا سيما في ظل ما أشير إليه من تفاهم روسي وأردني وأميركي، يطال منطقة الجنوب السوري والذي يقوم على قاعدة منع وصول إيران وميليشياتها إلى التحكم وحتى التواجد في هذه المناطق المحاذية للأردن.

على أن الأهم في ما يطرحه نصرالله يكمن في إعادة تذكير الأطراف الإقليمية والدولية ولا سيما واشنطن وتل أبيب بأن سلاح الفوضى في سوريا لإيران قدرة على استخدامه من خلال المحور الذي تقوده في حال تم استبعادها عن المشاركة في صوغ التفاهمات في هذا البلد، علما أن طهران كانت التزمت عمليا بشروط التفاهم الروسي والإسرائيلي في سوريا لجهة الالتزام بشروط إسرائيل في منع أي تواجد لحزب الله والميليشيات الإيرانية في ريف دمشق الجنوبي وصولا إلى حدود الجولان المحتل، وهذا الاتفاق الذي التزمت إيران به، مع التدخل العسكري الروسي الأخير في سوريا جاء بعد اغتيال سمير القنطار في صاروخ موجه في دمشق، وعلى إثر استهداف عسكريين إيرانيين ونجل القيادي الراحل في حزب الله عماد مغنية قبل نحو ثلاث سنوات، إذ ليس خفيا أن مشروع إيران تشكيل قوة عسكرية سورية تحت اسم المقاومة لتحرير الجولان داخل البيئة الدرزية السورية تم إنهاؤه من قبل إسرائيل وبرضا إيراني، وبتشجيع روسي على قاعدة أن دور إيران في سوريا يجب أن يتركز فقط على مواجهة خصوم الأسد من السوريين ولا يجب أن يمس الأمن الإسرائيلي.

غير أن التطورات الجارية على الحدود السورية مع الجولان في الآونة الأخيرة هي التي رفعت من وتيرة الحديث عن احتمال قيام إسرائيل بعمل عسكري ما في سوريا، لا سيما مع المواجهات الجارية في محيط القنيطرة بين فصائل مسلحة سورية والجيش السوري والتي ترافقت مع سقوط قذائف صاروخية في الجولان المحتل وهو ما اعتبرته إسرائيل أمرا يتطلب الرد فنفذت غارات عدة على مواقع للجيش السوري في القنيطرة مرفقة بتحذيرات للجيش السوري من أنها لن تقف مكتوفة إزاء هذه التهديدات وهذا ما أكد عليه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الأحد في بداية جلسة الحكومة الإسرائيلية.

هذه التطورات الميدانية إذا ما ترافقت مع توسع الشرخ بين واشنطن وطهران والمرشح للازدياد كلما اقتربنا من نهاية سيطرة تنظيم داعش في العراق وسوريا، يصبح القلق الإيراني مشروعا من أن تدفع ثمن التسويات الدولية والإقليمية في سوريا، لذا يمكن فهم السعي الإيراني لفرض وقائع ميدانية لا سيما في ربط حلقات الهلال الإيراني الممتد من طهران إلى بيروت ولا سيما في حلقتيه السورية والعراقية، وفيما نجحت إيران في حماية الحلقة السورية العراقية من الانفكاك عبر حماية خط إمداد ميليشياتها بين العراق وسوريا حتى الآن، فهي تراقب عن كثب ترسيخ القواعد الأميركية في سوريا ولا سيما في هذه المنطقة الحدودية بين العراق والأردن وسوريا، وهي منطقة التماس الأميركي معها في سوريا.

إيران هذه المرة وعبر أمين عام حزب الله لم تكن تريد من مناسبة يوم القدس إعلان الحرب على إسرائيل، ولا تحضير جحافلها استعدادا لتحرير بيت المقدس، لا سيما أن حزب الله ونصرالله تحديدا طالما كان يؤكد أن حزب الله قادر على الدخول إلى مناطق شمال إسرائيل، وأن صواريخه التي تعد بمئات الآلاف قادرة على قلب المعادلات على إسرائيل ولم يحذر ولا مرة من أن إيران أو الجيش السوري سيكونان معه في إنجاز مهمة بسيطة كتحرير القدس أو إنهاء ما هو “أوهن من بيت العنكبوت” كما يصف عادة الكيان الإسرائيلي.

إيران عبر نصرالله كانت في التحذير من استهداف إسرائيلي لسوريا أو بمعنى أدق لنفوذها في سوريا، تقول للإسرائيليين إن من يمنع تدفق آلاف المقاتلين من العالم العربي والإسلامي لتحرير فلسطين عبر سوريا ولبنان، هو الوجود العسكري لمحور إيران في سوريا، وإن إنهاء هذا الوجود أو استهدافه سيكون كفيل بأن تجد إسرائيل نفسها أمام عشرات الآلاف من المقاتلين العرب والمسلمين، إيران تخير إسرائيل بين أن تكون إلى جانب عدو عاقل يحمي حدودها ويحافظ على قواعد اللعبة والاستقرار على حدود إسرائيل الجنوبية كما هو الحال منذ بداية الثورة السورية، أو الدخول في لعبة المجهول التي قد تودي بالاستقرار غير المسبوق في تاريخ دولة إسرائيل على حدودها ولا سيما في لبنان.

انطلاقا مما تقدم يمكن القول إن إيران تحاول التأكيد على المقايضة بين حفظ الاستقرار على حدود إسرائيل الجنوبية وبين النفوذ الإيراني في سوريا، وهي في هذا السبيل تحاول إعادة الاعتبار لهذه المعادلة مع تراجع مرتقب لأولوية الحرب على الإرهاب في المرحلة المقبلة التي ستشهد بالضرورة انكفاء للتنظيمات الإرهابية وستكشف إلى حد بعيد أن إيران أصبحت أقل حصانة في نفوذها السوري، على رغم المحاولات الحثيثة لها في تشكيل ميليشيات سورية تعوض من خلالها غياب الحاضنة السورية لنفوذها، ورغم التغلغل داخل مؤسسات النظام والسعي الدؤوب لضمان بقاء بشار الأسد على رأس النظام كغطاء لنفوذها في هذا البلد.