في كلِّ مرَّةٍ تقعُ فيها جريمة قتل في لبنان، ترتفع بعض الأصوات التي تُطالب بإنزال عقوبة الإعدام بالقتلة والمجرمين، وذلك حسب رأيهم للحدّ من معدّلات الجريمة ولردع الإنسان عن استباحة حياة إخوته. ويذهب البعض لإستجلاب الحجج الدينيّة ليُدافع عن رأيه، فيما يذهب البعض الآخر إلى نبش بعض البراهين التاريخيّة التي قد تؤيد وجهة نظره. هنا لا بدّ لنا من الإنحناء أمام آلام ذوي الضحايا ولا بدّ لنا من أن نتفهّم لوعتهم وحرقتهم، ولكن لا بدّ من المعالجة الجذريّة لهكذا أزمة، فمعاقبة "النتيجة" عبر إعدامها لا تكفي لإحقاق العدالة إنما الطريقة الأنسب هي بالبحث عن أسباب الجريمة واجتثاثها من المجتمع ومن ثقافته.

فجرائم القتل التي يرتكبها البعض هي جرائم جماعيّة تشترك بها الأسرة والمجتمع والثقافة والدين، ناهيك عن الإعلام والفساد السياسيّ والإنسانيّ على حدٍّ سواء. قد يكون القاتل هو من ضغط بإصبعه على زناد المسدس ولكن هناك العديد من الأسباب التي دفعته إلى هذا الفعل، وهناك العديد من الأصابع المعنويّة التي شاركته الجريمة من خلف الكواليس. من هنا نجد أنَّ عقوبة الإعدام في مجتمعنا هي بمثابة الإقتصاص من "ضحيّةٍ" أخرى من ضحايا المجتمع والنظام القائم. فما الذي نجنيه من إعدام القتلة في حين أنَّ السلاح المتفلّت يزداد تفلُّتًا، ومن يحمله يجد الغطاء السياسيّ الذي يُسهِّل له اقتناء أدوات الموت؟ ما الذي نجنيه من إعدام القاتل في حين أنّ العنف الأُسَريّ يزداد استفحالًا وانتشارًا بين طبقات المجتمع؟ ما الذي نجنيه من عقوبة الإعدام في حين أنَّ معدَّلات الأميّة والتسرُّب المدرسيّ لا تزال في مستوياتها العالية؟ ما الذي نجنيه من هذه الإعدامات في حين أنَّ النظام السجنيّ في لبنان قائم على المفاهيم "العقابيّة" ويكاد لا يلحظ المفاهيم "الإصلاحيّة" و"التأهيليّة"، إذ يدخل البعض إلى السجن بتهمة تعاطي المخدّرات ويخرج منها مجرمًا كبيرًا بعد أن يتلقّى الدراسات الإجراميّة على أكمل وجه؟

ما الذي نجنيه من إعدام القتلة في حين أننا نحيا في نظامٍ طائفيّ يجعل من "شدّ العصب" ومن "شحن النفوس" برنامجًا انتخابيًا، وضمانة لوفاء المناصرين واخلاصهم للزعيم الذي يستغلّ الدين والعرض والأرض كي يكفل التصاقه بالكرسيّ حتّى يوم القيامة؟

هنا أيضًا لا بدَّ لنا من الإيضاح بأنَّ "الجريمة" هي حالة تطال كلّ شرائح مجتمعنا بعكس ما يُصَوِّر البعض، فهي لا تقتصر على أبناء دينٍ مُعَيَّن أو بيئة معيّنة، فالجرائم الأخيرة التي حصلت في لبنان تبيِّنُ لنا أنَّ المناصفة تحقَّقت حتّى في المجالات الإجراميّة، لا وبل أصبحنا نتنافس في بعض الأحيان ونتباهى بمناعة طائفتنا ومدى قدرتنا على صون عرضنا ومدى سرعتنا في الأخذ بالثأرِ وفي ردِّ اعتبارات جهلنا وتخلُّفنا. 

ومن زاوية أخرى نجد أنّ عقوبة الإعدام لم تُثبت فعاليتها في الحدّ من معدّلات الجريمة إذ أنَّ البلدان التي تعتمد هذه العقوبة لا تزال في واقعٍ يفيض بالإجرام، بعكس البلدان التي تعتمد على مبدأ إعادة التأهيل كالدول الإسكندينافيّة التي تحوَّلت سجونها إلى مدارسٍ وفنادقٍ وجامعات. 

في هذا الواقع الذي نعيش به تكبر حاجتنا إلى الرحمة وإلى الفرص الثانية، وعقوبة الإعدام هي الإجهاض الغير شرعيّ لكلّ الإنسانيّة الصامدة فينا، وهي التعبير الأوضح على زوال ثقتنا بالإنسان وبإرادة الحياة وإرادة الإصلاح الموجودة فينا. عقوبة الإعدام هي الترجمة الواضحة لقساوة قلوبنا ولإستسلامنا لنفس منطق القتلة ما يجعل منّا الشركاء بالقتل، وما يجعل من الموت المنتصر الوحيد!