فتحت جريمة قتل روي حموش من جديد النقاش حول معضلة المخدرات في لبنان التي تفتك في مفاصل البلاد من شمالها الى جنوبها، رغم المساعي الحثيثة التي تبديها القوى الأمنية في الترصد للتجار والمروجين. لكن المعضلة أبعد، يختصرها رئيس جمعية جاد ـ شبيبة ضد المخدرات جوزف الحواط في اكثر من عنوان عريض.  

الخطأ الأول وفق ما يقول لـ"النهار" يكمن "في اطلاق المدمنين بسبب اكتظاظ السجون. اذ انه في حبيش (14 شخصا ينامون في غرفة طولها 3 أمتار). بدورها، أغلبية الجمعيات في لبنان وقعت بوجوب تعديل القانون واعتبار المدمن مريضا لا حاجة الى توقيفه. ان كثرة التساهل في المسألة، تدفع الأولاد استسهال تعاطي المخدرات".

"جاد" هي الجمعية الوحيدة التي رفضت الامضاء على تعديل القانون، بل أصرت على ان يبقى المدمن مخالفاً للقانون، رغم أنه مريض ولا بد من مساعدته، مع وجوب استخدام عبارة مخالف للقانون.

في رأي الحواط، ان "اي تاجر او مروّج، في هذه الحالة، قد يستطيع جلب وصفة طبية يظهرها في المحكمة على اساس انه مدمن، وتنتهي القصة. لذلك، لا بد للمدمن من ان يتوقف في مركز خاص لفترة قصيرة قبل تحويله الى لجنة مختصة لمتابعته والتحقق معه لمعرفة مصدر البضاعة التي يحصل عليها". ويضيف "لو ان فحص المخدرات يطبق على الذين يموتون في حوادث السير.، ليتبيّن ان 50 الى 60 % منهم تحت تأثير المخدرات. الدراسات العالمية تقول ان 30% من حوادث السير المميتة تصير تحت تأثير دواء مخدر او كحول. ناهيك بالاهمال المتعمد من المسؤولين، فلماذا لا تجتمع البلديات مع الأجهزة الأمنية وتضع اصبعها على الجرح وتجلب مكتب مكافحة المخدرات للتحقيق في كلّ منطقة للمحافظة على نظافتها، خصوصاً أن القبض على شخص واحد يوصلنا الى عشرة أشخاص، لو ان التحقيقات جدية. لكن أحداً لا يهتم بل يخجلون من الاعتراف كبلديات، فيدفنون رؤوسهم في الرمال".

وفي مقاربة واقعية، يقول الحواط: "عند توافر المادة بكثرة، تكثر نسبة المروجين والمتعاطين. منذ 4 سنوات الدولة اللبنانية لم تتلف متر أرض من الحشيشة. الأفيون ينتشر بكثرة، وانها المرة الاولى تشهد مناطق في الجنوب وعكار هذا الكم من الزرع من عكار وشليفا الى دير الاحمر وبعلبك والبقاع بأكمله وصولاً الى الجنوب. فيما تصرف البضاعة في السوق المحلية اضافةً الى حبوب الكابتاغون. ويوم جاء السوري لاجئاً الى لبنان، اتى الدهان والنجار والعامل واتى المدمن ومروج المخدرات ايضاً. كما هرب الآدمي من الحرب كذلك هرب الأزعر. فصار لدينا مشكلة مضاعفة. اذ 60 الى 70 % من المصنعين والمروجين نقلوا تجارتهم من سوريا الى لبنان. وعندما صرحت عن الموضوع اتهمت بالعنصرية، ولكن علي قول الحقيقة الصعبة".

ويتابع الحواط: "هددت أكثر من مرّة نتيجة لمواقفي وتعرضوا بالأذى لسياراتي وفككوا اطارات سيارة ابني وهو ذاهب الى الجامعة. التهديدات تأتي ولا أحد يتحرك. لدي جلسة محاكمة في دعوى رفعها علي عبدة الشياطين الذين اتهموني بتخريب حفلتهم. ما فعلته اني أكملت مهمة كلفتني بها الدولة، وان من الغى الحفلة هو رئيس بلدية يحشوش وانا لا امتلك سلطة عسكرية او قضائية لفعل ذلك. لا يمكنني أن احارب وحدي قصة خطرة.

المدمن

علمياً، تؤثر المخدرات على سلوك المتعاطي وحالته النفسية بعد فقدان السيطرة الكلية على الذات والتصرفات والأفكار والأداء. انها، وفق ما تعرفها منسقة لجنة الصحة في المجلس الأعلى للطفولة في وزارة الشؤون الاجتماعية كارن إيليا "أشبه بعملية فقدان كلي للادراك الحسي والمعنوي والنفسي وعدم معرفة بمعنى الوقت. بمعنى آخر انه فقدان تدريجي للمهارات الحياتية والحس الانساني والرغبة في الحياة. ومجرّد الرغبة في التعاطي يعني جنوحا دفينا نحو الموت البطيء. واذا كان المدمن يسعى الى تدمير ذاته، فلا مشكلة لديه في تدمير الآخر. من هنا تطرأ معادلة ان يتحول المدمن الى تاجر، فيلقن الآخرين كيفية الاتجار ويورطهم في عالمه". وعن الصفات المشتركة التي تجمع بين المدمنين تقول، استناداً الى تجربتها كمعالجة ومستشارة نفسية، "انهم يسعون للعودة الى الاحاسيس الاولى التي شعروا بها في المراحل الاولى من التعاطي، والتي تبث في نفوسهم الرغبة في الانتقال من مادة مخدرة الى اخرى لهذه الغاية، والتي لن يستطيعوا اشباعها مجددا مهما فعلوا. في هذه المرحلة، ينصحهم التاجر بتجربة مواد مخدرة ذات مفعول أقوى. انهم يجربون مواد مخدرة جديدة لأنهم يسعون الى الموت، رغم عدم ادراكهم لهذا الفعل".

ومن وجهة نظر عملية، السلوك الادماني يؤدي الى الموت السريع من خلال جرعات مخدرة زائدة او الموت البطيء، بعد توقف عمل الشرايين والقلب. وفي بعض الأحيان لا ينتج الموت من المادة بذاتها، بل من تأثير تعاطيها على وعي الانسان (تأثير المادة خلال القيادة يسبب حادث السيارة). من هذا المنطلق، تقول إيليا ان ما حصل في جريمة روي حاموش أشبه بحالات القتل العمدي تحت تأثير مواد مخدرة تسلب الشباب الارادة والادراك. وعندما يتحول المتعاطي الى مدمن بعد أن يصل الى فعل الاعتياد، سلوكيات كثيرة تتطور لديه مثل العنف والعدوانية والرفض والنقمة. وهو تالياً يجد في صورة اي شخص يصادفه سبباً من أسباب حالة الادمان التي يعيشها، فينقم عليه ويرفضه ويكرهه تحت تأثير المخدر ومن دون شعور بالذنب. وعندما يرتكب الجريمة يكون في صدد تنفيذ فعلٍ متسرع يسبق ادراكه الواعي (الفعل يسبق التفكير). ويلي لحظة الفعل، مرحلة الصدمة، اذ ان الدماغ يحلل الجريمة، مما يؤدي الى الهروب. ولكن في ظل تأثير الممنوعات، لا يتمتع المجرم بالحنكة في عملية الهروب الى اماكن بعيدة. لذلك نلاحظ انه في أغلبية الجرائم التي ترتكب تحت تأثير المخدرات، يلقى القبض على الجاني الذي لا يتمتع بالادراك الكافي والسليم ليحلل ويفكر ويخطط كيفية الهروب. ويبقى المهم بالنسبة اليه الابتعاد عن ساحة الجريمة لا أكثر".

إذاً هل المدمن مريض فقط، ام مريض خارج عن القانون؟ تجيب: "انه خارج عن القانون. اذ انه بمفهوم المتخصصين، يصنف المدمن في خانة المريض اذا كان يطلب العلاج. وهو شخص خطر على المجتمع ليس لأنه يقتل فحسب، بل لأنه يؤذي الآخرين معنوياً وعاطفياً، وقد يرتكب جنحة او جناية مقابل الحصول على الاموال التي تخوله شراء المادة. ويمكنه ان يسوق الآخرين الى التعاطي ليحقق مبالغ مادية او ليشتري البضاعة التي يحتاج اليها، وهو في هذه الحالة يتحوّل مروّجاً أو تاجراً. ورغم أنه مريض، فإن ذلك لا يبرر فعلته. لكن الهدف الأساسي يبقى في إنقاذه وإعادة إطلاقه عنصراً إيجابياً فاعلاً في المجتمع".

تضيء المقاربة النفسية السالفة ايضاً على عدم اعتبار المدمن مجرد مريض بل انه خارج القانون، وهي تمهد بالتالي لتدعيم اسقاط مقولة الاسباب التخفيفية التي تمنح للمجرم بعد ارتكاب جرمه تحت تأثير المخدر.