في مجتمعنا، هنالكَ أمرٌ غريبٌ في رغبةِ الجميعِ على الإنجابِ السريعِ بعد الزواجِ مباشرةً، وكأنَّ النَّسلَ سينقطعُ إذا ترَّوا قليلاً وانتظروا ليصبحَ الزوجان قادرين تماماً على إحضارِ طفلٍ على هذه الحياة. معظمُ من يسمعُ هذا الكلامَ سيضحكُ ويقولُ: " ومن قالَ أنهما ليسا قادرين على الإنجابِ؟ طالما أنهما تزوجا، يستطيعان إنجابَ طفل! ولماذا التأخير؟ الرزقةُ تأتي مع الولدِ، والجميعُ يريدُ الرزقةَ!!  

حسناً، هنالك مصطلحانِ على الجميع إدراكَ معانيهما: وهو الفارقُ بين الإنجابِ والتربيةِ. بالتأكيد لا يوجد زوجان غير قادرين على الإنجابِ إلا لأسباب طبيَّة، فهي عمليةٌ سهلةٌ لا تحتاجُ إلى علمٍ نوويٍّ! إلاّ أنه ليس كل الأزواجِ قادرةٌ على التربيةِ. فعمليةُ تربيةِ الأطفالِ عمليةٌ صعبةٌ وحساسةٌ، يستخفُّ بها معظم مجتمعنا ولا نظهر النتائجُ إلاَّ بعد فواتِ الأوانِ، وبعد أن يكبرَ الطفلُ على أُسسِ تربيةٍ ناقصةٍ.

والأمرُ الملفتُ أنَّنا نرى معظم عائلاتِ مجتمعنا يتجاوزُ عدد أطفالها الأربع والخمسة في العائلةِ الواحدةِ، والملفتُ أكثر أن مدخولَ العائلةِ لا يكفي لنصفِ العائلةِ. وتستمرُّ عمليةَ الإنجابِ رغم ذلك. "المضحكُ المبكي"، هكذا أصِف هذه الحالة.

بأي حقِّ تنجبون طفلاً إلى هذه الحياة وتظلموه؟

"عندما تفكران في إحضارِ طفلٍ جديدٍ إلى هذا العالم، تذكرا دائماً أنكما غير مجبران على الإنجابِ، ولكن إذا أنجبتما، فأنتما مجبران على التربيةِ".

التربيةُ يعني أن يُعطَى الطفلُ حقَّه الكاملُ من الحبِّ والحنانِ والأمانِ والإستقرارِ، الإستقرارُ الذي لا يكونُ موجوداً بعد الزواجِ مباشرةً، بل بعد أن يعيشَ الزوجان تحت سقفٍ واحدٍ لمدّة ويتقبلُ بعضهما الآخر. التربيةُ هي عندما تتوفَّرُ بيئة صحية وسليمة للطفل، من إستقرارٍ ماديٍّ ومعنويٍّ وعاطفيٍّ وحياتي. وإذا نقصَ عنصرٌ منهم، هنا يُظلمُ الطفلُ.

للأسف، يخلقُ معظم الأطفالِ وسطَ مشاكلَ ونزاعاتٍ ظناً بالأهل أن الطفلَ يحلَّ المشاكل، لكن الحقبقةَ أنّ هذا الطفل ضحية مجتمعٍ لا يرحم.

مخدرات، إنتحار، يأس، مشاكل نفسية، عنف،وغيرها من الظاهراتِ التي يشهدها مجتمعنا هذه الأيام، خصوصاً من قِبَلِ فِئَةٍ لا تتجاوزُ أعمارهم الثامنة عشر. والأسباب؟ تربيةٌ ناقصةٌ!!

عندما يولدُ طفلٌ في بيئةٍ تطغى عليها المشاكلُ العائليةُ والتوترُ الدائم، من علينا أن نلوم؟ عندما يكون الوالدُ غير مبالٍ للمسؤليات الأساسية التي تتأتَّي عليه عندما يخطو خطوة الزواج والإنجاب، من فرضَ عليك الزواج؟ ومن جبركَ على أن تُصبح أباً إذا لم تكن رجلاً بكل معنى الكلمة؟

يكبرُ الطفلُ وفيه نقصُ عاطفةٍ وحنانٍ وحبٍّ، وهذا النَّقصُ يحاول تعويضه في المدرسة وحياته العادية. سيلتقي بأشخاصٍ يوهموه بالحبِّ الزائفِ والإهتمامِ، وسيتعلَّق بهم على أملِ تعويضِ النقصِ الذي بداخله. والصدمةُ هي عندما تُستَغَّلُّ كل مشاعره وعواطفه من أجل مصالحَ شخصية، فيُرمى كلقيطٍ على شوارع الذُّلِّ والتشرُّد العاطفي، لتبدأ مسيرته نحو الظلام.

إنحطاط، يأس، بكاء، وحدة، إنغلاق على العالم، وأفكار سوداء. هذه الدَّوامة التي يُحبسُ فيها الطفلُ بينما الجميعُ مشغولون بأنفسهم وحياتهم. منهم من ينجَّرُّ وراء المخدراتِ والأفعالِ التي يراها راحةً مُؤقتةً، ومنهم من يرى راحتهُ الأبدية في الإنتحارِ.

فمن علينا اللَّومَ؟