بينما تروج الحكومة العراقية لقرب انتهاء الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية بدأت قوات الحشد الشعبي تتقلص شعبيتها وأسباب تواجدها وسط انقسامات داخل البيت الشيعي حول مستقبل هذه القوات التي تحولت إلى محور رئيسي في المعركة الأوسع على السلطة داخل المعسكر الشيعي، والتي ستكون الانتخابات إحدى ساحاتها الرئيسية. وفي حين سيسخر نوري المالكي وحلفاؤه الموالون لإيران هالة القدسية المحاطة بالحشد الشعبي لكسب الشعبية، سيحاول حيدر العبادي في المقابل الإستفادة من الانتصارات داخل الموصل لتوطيد موقعه كقائد عام للقوات المسلحة، فيما يميل التيار الثالث، وهو التيار الصدري، إلى موقف العبادي في التمسك بحل الحشد الشعبي
 

نال جهاز الأمن العراقي الرسمي نصيبه من الانهيار الذي أصاب الدولة العراقية في السنوات الأخيرة وانهيارها التام سنة 2014 بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية مدينة الموصل. وفي ذروة المعارك ضد هذا التنظيم وجدت القوات الحكومية نفسها عاجزة لوحدها عن مواجهته، فتم “دعم” القوات العراقية بمجموعات خارجية أبرزها الحشد الشعبي.

ويقدر عدد مقاتلي الحشد الشعبي بأكثر من 60 ألف مقاتل من ميليشيات وجماعات مسلحة مختلفة. وتأسس الحشد الشعبي بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الموصل إثر فتوى أصدرها المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني صاحب فتوى الجهاد الكفائي التي كانت وراء تأسيس الحشد الشعبي بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الموصل.

وتتألف قوات الحشد الشعبي، والتي تخضع رسميا لسلطة مكتب رئاسة الوزراء، من ثلاث مجموعات رئيسية الأولى هي مجموعة الفصائل المسلحة الموالية للمرشد الأعلى في إيران مثل بدر وعصائب أهل الحق وسرايا الخرساني وكتائب حزب الله.

وتدار هذه المجموعات بمركزية شديدة من قياداتها، وتمتاز بتدريبها الاحترافي وقلة أعداد عناصرها وانضباطهم العالي. ويعرف ارتباط هذه المجموعات بالحرس الثوري الإيراني على مستوى التدريب والقيادة والإدارة والتمويل.

أما المجموعة الثانية من قوات الحشد الشعبي فتتألف من المتطوعين لقتال تنظيم داعش بناء على فتوى المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، وهؤلاء يفتقرون إلى التدريب والتنظيم والتسليح الجيد، كما أنهم يحصلون على منح وإعانات مالية غير منتظمة، وليس رواتب ثابتة. وباستثناء فوجين يعرفان باسم “حشد العتبة”، نسبة إلى العتبة العباسية في كربلاء، لا يمكن اعتبار الحشد الموالي للسيستاني قوة مسلحة مؤثرة.

والمجموعة الثالثة هي سرايا السلام بقيادة مقتدى الصدر، والتي تأسست بعد مجزرة معسكر سبايكر في يونيو 2014. كانت هذه الفرقة عبارة عن جيش المهدي الذي تم تجميده في العام 2008، لكنه احتفظ بعدد كبير من كوادره وخبراته وشبكاته الاجتماعية.

كان دور قوات الحشد الشعبي حاسما خلال الجهود الأوّلية للتصدي للدولة الإسلامية، بيد أن جهاز الدولة الأمني استجمع قواه منذ ذلك الحين، ما قلّص دور الحشد في المعارك اللاحقة، بما في ذلك الحملة المتواصلة حاليا في الموصل.

قوات الحشد الشعبي وحدات عسكرية مجازة دينيا وميليشيات لا تخضع لأي مساءلة، لا أمام الدولة ولا أمام القانون عند البعض الآخر
ويقلق التراجع الذي تسجله قوات الحشد الشعبي قادة الميليشيات وسياسيين موالين لإيران نظرا لأنه يصب في صالح الأصوات المنادية بحلها بعد انتهاء مهمتها، وهو أمر يمكن أن يهدد سيطرة إيران على العراق وأيضا ينسف مخططات رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وأطراف أخرى في التحالف الشيعي بالاعتماد على الحشد الشعبي في الانتخابات القادمة.

ويلحظ مراقبون تراجعا واضحا في مستوى الاهتمام الشعبي بأخبار الحشد العسكرية، بفعل متغيرات عديدة. ولم تعد مخاوف الأحزاب الشيعية التقليدية من “تغول الحشد الشعبي سياسا”، كبيرة، وباتت التوقعات التي تتحدث عن اكتساح “فصائل المقاومة الإسلامية” للانتخابات النيابية التي يفترض إجراؤها في أبريل 2018 من الماضي.

عندما كانت فصائل الحشد الشعبي تقاتل لطرد تنظيم داعش من منطقة الصقلاوية، جنوب شرق مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار صيف العام الماضي، فإن شعبيتها بلغت الذروة، لكنها الآن تعود إلى مستوياتها التي “لا تهدد أحدا”، وفقا لسياسي عراقي.

ويحاول هادي العامري زعيم منظمة بدر القيادي البارز في الحشد الشعبي، وصاحب الطموح الكبير في أن يكون له دور بارز في عراق ما بعد داعش، منذ أيام جذب انتباه الإعلام المحلي إلى ما يفترض أنه إنجاز كبير، وهو وصول قوة من نحو ألف مقاتل حشدي إلى نقطة في محافظة نينوى، على الحدود العراقية السورية، من دون أن يلقى أصداء مهمة. ولو حدث هذا الأمر، على سبيل المثال، أواخر العام الماضي، لوجد اهتماما شعبيا كبيرا، لكنه يعامل بفتور اليوم.

ويقول السياسي العراقي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العرب” إن “الوجود السياسي لقوى الحشد بات أمرا مسلما، ولكن حجم هذا الوجود لن يكون كبيرا، كما كانت ترى التوقعات صيف العام الماضي”.

ويوضح أن “الأحزاب الشيعية التقليدية كانت تتوقع التفافا شعبيا حول قوى الحشد الشعبي، عندما تحين لحظة الانتخابات، ولكن الواقع أن ذلك ليس صحيحا”. ويضيف أن “قوى الحشد المرتبطة بإيران لم تستطع أن تقدم نفسها بطريقة عراقية تستميل الجمهور وظلت النغمة الإيرانية تهيمن على خطابها، ما أسهم في تنفير الجمهور الشيعي، في حين أن قوى الحشد السيستانية، لا يبدو أن لديها طموحات سياسية”.

وبينما يجري الاستعداد للانتخابات المحلية والبرلمانية، لا يستبعد مراقبون أن تلجأ فصائل الحشد الموالية لإيران إلى استخدام نفوذها المسلح والمالي لصناعة شعبية انتخابية. وعندما يحدث ذلك، سيمكن للأحزاب الشيعية التقليدية أن تدافع عن نفسها، بالسلاح والمال أيضا.

لا يستبعد مراقبون أن تلجأ فصائل الحشد الموالية لإيران إلى استخدام نفوذها المسلح والمالي لصناعة شعبية انتخابية

تصدع البيت الشيعي

يشير ريناد منصور وفالح عبدالجبّار، في تقرير مطول حول الحشد الشعبي نشره مركز كارنغي، إلى أن الحشد الشعبي أضحى جزءا من الصراع على السلطة بين القوى الشيعية.

ويرفض ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي الإبقاء على قوات الحشد الشعبي “باعتبارها قوة أمنية إلى جانب الجيش والشرطة”. وتؤيد ذلك الفصائل الشيعية القريبة من إيران وأبرزها منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وحركة النجباء.

ويرد التيار الصدري مؤكدا أنه لن يسمح بأن يمس من يسميهم مقتدى الصدر “الميليشيات الوقحة” قواعده الانتخابية، ولن يجد مشكلة في سلاح هذه الفصائل، لأنه يملك ما يكفي من السلاح والعدد لخوض هذه المواجهة. وربما ترك جانب المواجهة المالية للمجلس الأعلى وزعيمه عمار الحكيم، الذي ترتبط به مؤسسات وشركات تملك الكثير من المال.


صدام محتمل

ينغمس العراق حاليا في لجج صراع سياسي شيعي داخلي تدور رحاه حول السيطرة على الدولة، بين رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الذي يريد العودة إلى جنّة السلطة، وبين رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي، الذي يحاول أن يحافظ على سلطة الدولة؛ هذا علاوة على مقتدى الصدر المُصمم على ضمان عدم عودة جناح المالكي إلى الحكم.

ويؤكد ريناد منصور وفالح عبدالجبّار أن الكثير من الأمور مرتبطة بمآلات مرحلة ما بعد معركة الموصل.

وفي حال تمكّن العبادي من بسط نفوذه عبر تسخير القوى الأمنية لاستعادة المدينة كليّا، فيما تبقى قوات الحشد الشعبي في الظل، كما في معركة الفلوجة، ستزداد حظوظ الوسطيين في إنجاح مشروع بناء الدولة، بانتظار أن يتّضح أكثر مستقبل قوات الحشد الشعبي ككيان سياسي بعد الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات في العام 2018.

ويعتقد مراقبون أن قوى الإسلام السياسي الشيعية التقليدية، لن تترك لفصائل الحشد الموالية لإيران إلا مساحة وجود “مسيطرا عليها” لا سيما بعد أن برهنت هذه الفصائل، من دون أن تدري، خلال الشهور الماضية، على أن وجود السلاح في أيدي قوى غير خاضعة للقانون داخل المدن العراقية سيضر السكان المدنيين أولا، ما يعني أن القوى الشيعية قد تجد غطاء شعبيا لتحركاتها الموجهة نحو احتواء القوى الشيعية الموالية لإيران.

وتعول القوى الشيعية التقليدية على القناعة المتنامية في الشارع بأن الاعتداءات التي سجلت مؤخرا من قبل بعض منسوبي فصائل الحشد على عناصر الجيش والأمن في بغداد تسهم في خفض مستوى الثقة بها.

وفي حادثة تؤكد هذا التطور استجدت مؤخرا في شارع فلسطين، شرق بغداد، اشتبك مسلحون من عصائب أهل الحق مع دورية عسكرية نظامية، ما أوقع قتلى وجرحى في الطرفين. وقبل ذلك بأيام، كانت قوة أخرى من العصائب، تورطت في اختطاف 7 نشطاء مدنيين في ظروف غامضة ببغداد، قبل أن يطلق سراحهم. ولم يفت رئيس الوزراء حيدر العبادي، ولا الصدر أو الحكيم، التعريض بهذه التصرفات، خلال خطب وبيانات، فسرها المراقبون بأنها مقدمات لصدام محتمل.