لم يحد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل الثاني عن الطريق الذي سار عليه والده الشيخ حمد آل الثاني فيما يتعلق بالسياسية الخارجية المتمرّدة للدوحة ومحاولاتها القفز خارج السور الخليجي بحثا عن أدوار أكبر تجعلها على نفس الخط الأمامي مع القوى الرئيسية خليجيا وإقليميا، وتقربها من صانعي القرار الدولي خصوصا فيما يتعلق بأكثر الملفات حساسية: جماعات الإسلام السياسي وإيران. لكن الدوحة تجاوزت حدود الطموح المسموح به وأصبحت سياساتها تشكل تهديدا لأمن المنطقة الخليجية التي تتعامل معها قطر وفق مبدأ التقيّة على خطى حليفتها إيران، فهي ولئن كانت موقعة على مختلف اتفاقيات وقرارات مجلس التعاون لدول الخليج العربي، فإنها على الأرض تقوم بعكس ما تطالب به الاتفاقيات من حماية للأمن في اختراق خطير للمشروع الإقليمي الخليجي
 

لا تشكك مراجع خليجية مطّلعة في دور قطري ثابت للدفاع عن المصالح الإيرانية في المنطقة على الرغم من مشاركتها في التوقيع على كافة بيانات مجلس التعاون الخليجي المندّدة بالسياسات الإيرانية في العالم العربي.

وتكشف هذه المراجع عن إدراك بقية الدول الخليجية لعدم صدقية الدوحة في موقفها المتضامن مع بقية دول الخليج، وعن علم عواصم هذه الدول بالعلاقات التي لم تنقطع بين الدوحة وطهران على الرغم من المواقف التي تصدر عن العاصمة القطرية ضد طهران ومن تغطيات قناة الجزيرة المناوئة للسياسة الإيرانية.

وتأخذ المراجع الخليجية على قطر اعتمادها سياسة خفية في التعامل مع إيران على نحو يثير أسئلة حول الدور الحقيقي الذي لعبته وتلعبه الدوحة في هذا الملف.

وتقول هذه المراجع إن دول الخليج قد تعبّر عن انزعاج من مواقف سلطنة عمان من مسألة العلاقة مع إيران، إلا أنه يحسب للسلطنة، حسب هذه المراجع، أن علاقتها مع طهران علنية ولطالما دافعت عنها جهارا، محاولة في ذلك إيجاد نقطة توازن بين انتمائها الخليجي ومصالحها الاقتصادية والأمنية مع إيران. فيما يعتري السياسة القطرية في هذا الصدد لبسٌ وغموض لطالما أثارا الكثير من الشكوك لدى بقية الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

ويرى خبراء في الشؤون الخليجية أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد في فبراير الماضي أتت في إطار محاولات خليجية عربية لإعادة العراق إلى الحضن العربي وإبعاد بغداد عن النفوذ الإيراني.

وقال الجبير أثناء تلك الزيارة إن السعودية والعراق يواجهان آفة الإرهاب، وإن المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع العراقيين.

وأضاف عادل الجبير في مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي إبراهيم الجعفري، أن السعودية تتطلع إلى بناء علاقات مميّزة مع العراق، وأن هناك رغبة في العمل معا في الحرب على الإرهاب.

لكن قبل ذلك كانت صحيفة عربية تموّلها قطر قد نشرت عشية وصول ترامب للرياض مقالا لوزير الخارجية الإيراني ينتقد فيه زيارة ترامب ويدعو فيه الرئيس الأميركي إلى مناقشة الجانب السعودي لسبل تفادي هجوم آخر على غرار هجمات 11 سبتمبر، في غمز من قناة مشاركة مواطنين سعوديين في هذا الهجوم الإرهابي، وهو أمر أثار حفيظة مراقبين سعوديين حول ما ترومه قطر من وراء الترويج لوجهة النظر الإيرانية ضد زيارة الرئيس الأميركي للسعودية.

إلا أن اتصال الأمير القطري بروحاني في عزّ أزمة ردود الفعل الخليجية الغاضبة على تصريحاته الأخيرة منح طهران منصة خليجية تحتاجها للإطلالة على حدث يفترض أنها خارجه وفق دعوة الرئيس ترامب لـ”عزل” إيران.

وحسب وكالة “فارس” الإيرانية، فإن روحاني دعا في اتصال أمير قطر به “إلى تعزيز علاقات التعاون بين دول المنطقة لإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة”. ولفت روحاني إلى الأهمية الكبرى التي توليها إيران لتنمية العلاقات مع دول الجوار وخاصة دولة قطر، وقال “استمرار التعاون مع دول الجوار في منطقة الخليج الفارسي يأتي ضمن المبادئ التي تقوم عليها سياسة إيران الخارجية”. وأكد ثقته في إمكانية تذليل العقبات الراهنة وتعزيز العلاقات الأخوية من خلال الإرادة القوية لدى البلدين. وشدد روحاني على أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تسعى إلى تكريس مناخ يسوده الاعتدال والوسطية والمنطق في العلاقات بين الدول.

ورأت مصادر سياسية خليجية أن روحاني استغل الاتصال القطري، والذي لا شك أنه اعتبره خروجا عن الإجماع الخليجي لتكرار موافق إيرانية مملّة لا تتجاوز إطارها الأبجدي النظري الدبلوماسي لأغراض العلاقات العامة، لا سيما وأن البيان الصادر عن الاتصال لم يذكر أي ردّ لأمير قطر يؤكد مواقف الدول الخليجية التي تطالب إيران بالأفعال وليس بالأقوال.

ويرى مراقبون لشؤون الخليج العربي أن تصريحات أمير قطر حول الحكمة من معاداة دولة إسلامية كبرى كإيران، لا تعبّر فقط عن مواقف الدوحة الثابتة في هذا الإطار، بل إن توقيتها بعد ساعات من انتهاء قمم الرياض مع الرئيس الأميركي بدا وكأنه كان مطلوبا من طهران لإثبات “ولاء” الدوحة لتفاهمات والتزامات سابقة بين البلدين.

واعتبر هؤلاء أنه إذا كانت للدوحة سياسات خاصة بها ترتبط بحساباتها، فإن من حق دول الخليج الأخرى أن ترفض هذه السياسات وتعبّر عن غضبها إزاء سلوك بات يهدد الأمن الاستراتيجي لدول الخليج، كما أنه من حق هذه الدول أن تعتبر أن السلوك القطري يعتبر اختراقا خطيرا للمشروع الإقليمي الخليجي، بما يتطلب التعامل معه بجدية ومواجهته بكافة السبل التي تدافع عن راهن مجلس التعاون الخليجي ومستقبله واستقراره وأمنه.