أكد البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي في كلمة له خلال في تدشين مباني فرع جامعة سيّدة اللويزه في برسا – الكوره أنه "يسعدني أن أشارك معكم في تدشين فرع برسا بقضاء الكوره الشمالي لجامعة سيّدة اللويزة وتبريكه، مع قدس الرئيس العام للرهبانيّة المارونيّة المريميّة الأباتي بطرس طربيه، والآباء المدبّرين، والأب وليد موسى رئيس جامعة سيّدة اللويزه، والأب بشاره الخوري نائبه للشؤون المالية، والأب سمير غصوب مدير هذا الفرع، ومع الهيئتَين الإدارية والتعليمية ومجلس الامناء والطلّاب وأهلهم. وإنّي أحيّي أصحاب الفخامة والسيادة والسماحة والمعالي والسعادة، المشاركين معنا وسائر الرسميّين، وهذا الجمهور الكريم. ويأتي التبريك في آخر يوم من شهر ايار المخصّص لتكريم أمّنا مريم العذراء، سيّدة لبنان وشفيعة الجامعة.
وأكد الراعي "أنني باسمكم أبارك للرهبانيّة وللجامعة بإنشاء هذا الفرع الجامعي في بلدة برسا العزيزة، وبإضافة مبانٍ جديدة على المبنى الأساسي، نباركها وندشّنها اليوم. ونعرب عن تقديرنا لجامعة سيّدة اللويزه لتطبيقها مبدأ اللامركزية بحيث يُتاح لشبيبة المنطقة متابعة دروسهم الجامعيّة من دون عناء الانتقال مع أهلهم إلى البعيد، ولأساتذة المنطقة البقاء فيها وخدمة شبابها الجامعي، ولأبنائها توفّر فرص عمل جديدة"، مشيراً الى "أنّها الكنيسة المارونيّة، من خلال هذه الجامعة، حاضرة في هذه المنطقة العزيزة، تقدّم لشبابها العلم والتربية على القيم الروحيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة، وعلى المواطنة وفقًا لميزة لبنان التي يرسمها الميثاق الوطني والدستور. وهي: التعدّدية الثقافيّة والدينيّة في وحدة وطنيّة، الانفتاح والتكامل مع الآخر المختلف، العيش معًا مسيحيِّين ومسلمين في دولة مدنية تفصل بين الدِّين والدولة، وتنتهج نظام الديموقراطيّة، وتقرّ الحريات العامّة التي هي جوهر الحياة البشرية. فما قيمة الإنسان من دون حرية الضمير والرأي والعمل؟ إنّ مبرّر وجود هذا الفرع لجامعة سيّدة اللويزه، إنّما هو للتكامل والتعاون مع جامعات المنطقة الشمالية، ولتمكين الأهل من اختيار أسلوب التربية الذي يفضّلونه لأولادهم، وفقًا لقناعاتهم الدينيّة وخياراتهم التربوية. وهذا مبدأ تقرّه المواثيق الدولية".
ولفت الى أن "الجامعة هنا هي من أجل شبابنا ومستقبله في وطنه. من أجل تزويده بالاختصاص الرفيع الذي يختاره وفقًا لمواهبه وميوله وقدراته الفكرية، ومن أجل تحفيز إبداعه على أرض الوطن الذي يحتاج إلى فكر وعبقرية وزنود أبنائه. فالاوطان يبنيها أبناؤها لا الغرباء، ولا الأجراء".
وشدد على أن "شبابنا اللّبناني يشكو من خيبة أمل من الجيل الأكبر الذي لم يُتح لهم المجال كي يختبروا الاستقرار والنموّ والطمأنينة، وينعموا بالبحبوحة، وتتوفّر لهم فرص العمل المناسبة لاختصاصاتهم؛ وكي يجدوا في رجال السياسةرجالَ دولة حقًّا، واعين مسؤوليّاتهم الوطنيّة، ومتعالين عن المصالح الخاصّة والمكاسب الشخصيّة والفئوية، ومتحلّين بالتجرّد من الذات والأفكار المسبقة؛ رجال دولة متحرّرين من أسر مواقفهم وردّات فعلهم وتقويم كلامهم، لكي يسيروا معًا نحو تأمين خير الشعب والدولة وتفعيل مؤسّساتها العامّة وحمايتها من الفساد المالي المستشري فيها"، مشيراً الى أنه "يكفي أن نفكّر بالاثنتي عشر سنة من التداول بشأن قانون جديد للانتخابات من دون جدوى حتى الساعة، إلّا إذا حصلت بلحظة ما معجزةُ التوافق، كما جرى مع رئاسة الجمهورية بعد سنتين ونصف من الفراغ الرئاسي الذي عطّل معه عمل المجلس النيابي وشلّ الحكومة، ورجع بالبلاد إلى الوراء. ولنفكّر بسلسلة الرتب والرواتب والموازنة، وبقضية الضرائب، والكهرباء وبعيب النفايات؛ فضلًا عن تنامي الأزمة الاقتصادية، وتأرجح الوضع الأمني الداخلي، وازدياد البطالة وحالة الفقر، وتراجع فرص العمل، وتعاظم الدين العام. وهذه كلّها ازدادت وعظمت وتنذر بالأخطار الكبيرة، بوجود مليونٍ ونصف من النازحين السوريِّين، ونصف مليون من اللاجئين الفلسطينين، وعشرات الألوف من المهجرين العراقيِّين. نحن متضامنون معهم إنسانيًّا وأخويًّا ومع قضيّتهم، لكنّ اعدادهم، التي باتت تتجاوز نصف سكّان لبنان وحاجاتهم الحياتية المتنوّعة تُغرق البلاد، وتخنق الشعب، وترغمه على الهجرة. هل هذه الأخطار تحرّك مشاعر السياسيّين وفكرهم وإرادتهم وواجب مسؤولياتهم؟".
ورأى الراعي أنه " تأتي الجامعة لتكون علامةَ رجاء لشبابنا والمواطنين اللبنانيّين، لأنّها تزوّد الطلّاب الجامعيّين بالاختصاصات الرفيعة، والمبادئ الخلقيّة والاجتماعيّة والوطنيّة السليمة، وتربّيهم على مفهوم السياسة كفنٍّ شريف لخدمة الخير العام، وتصقل شخصيّتهم الوطنيّة، وتنمّي فيهم الثقة بالله وبالذات. ثمّ ترسلهم ليكونوا القوّة التجدّدية في المجتمع والدولة، وليعطوهما انطلاقة جديدة. الوطن اللبناني يحتاج إلى أمثال هؤلاء، فلا يقوم على أكتاف الضعفاء والخاملين، ولا على الجائعين إلى كسب مال الحرام، بل على المتفوّقين في المعرفة والكفاءة والأخلاق والعين الشبعانة"، مشيراً الى أنه "هذا هو الهدف الأساسي من الجامعة، ومن الدروس الجامعيّة. فلا تكون هذه الدروس "موضة" يتخرّج معها عاطلون عن العمل، ويأنفون أيّ عمل، بما فيه الدخول في مؤسّسات الدولة وجيشها وأجهزتها الأمنيّة. ومعلوم أنّ البطالة أمّ الرذائل، لكن هي من اجل التفوّق".
وأوضح أنه "في هذا اللّقاء الجامعي، نوجِّه النداء إلى الدولة اللبنانيّة، عبر المدير العام الى معالي وزير التربية والتعليم العالي، الأستاذ مروان حماده، ونطالب الدولة والوزارة: السَّهر على حسن تطبيق القوانين والأنظمة النافذة حاليًّا، والتخفيف من القيود الإداريّة وثقل بعض الإجراءات في الإدارة؛ الاضطّلاع بمسؤوليّاتها التشريعيّة، فتسنّ قانونًا جديدًا ينظّم قطاع التعليم العالي الخاصّ؛ قانونًا متطوّرًا ومتكاملًا يأخذ في الاعتبار المتغيّرات على الصعيد المحلّي، وتحدّيات العولمة على الصعيد الدولي؛ قانونًا شاملًا لوجوه التعليم العالي وجوانبه المختلفة؛ قانونًا يحقّق الطموحات، ويلبّي الحاجات، ويسهم في ضمان جودة التعليم وتأمين تطوّره المستقبلي السليم المجمع البطريركي الماروني: الكنيسة المارونية والتعليم العالي، الفقرة 69".
ولفت الى "أننا نسأل الله أن يبارك بفيض من نعمه هذه المباني الجديدة، والطلّاب والإدارة والمعلّمين والموظّفين والأهل، نتمنّى للجامعة ولهذا الفرع دوام النجاح والنموّ. ومع اخوتنا المسلمين في شهر رمضان، نرجو ان يكون هذا الزمن موسم خير ونعم عليهم وعلى الشعب اللبناني. ولكم جميعًا كلّ خير وبركة من جودة الله، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة اللويزه".