في أول لقاء جمع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين بالرئيس الأميركي الديموقراطي السابق باراك أوباما في واشنطن مطلع 2009 قال الملك للرئيس الجديد: "سيأتون بعد أن أغادرك ويقولون لك إيران ثم #إيران ثم إيران"، فأجابه أوباما: "سأرد عليهم: فلسطين فلسطين فلسطين". 

غير أن ثماني سنوات من عمر رئاسته لم تثمر شيئا وهو الذي كان يبشر بإنهاء الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي في عهده، بل نفض يديه بعد عام خلال لقائه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي في نيويورك عام 2010 بحجة تمسكهما بالماضي وعدم رغبتها في حل الصراع.

وفي أواخر عهد أوباما أجرى وزير خارجيته جون كيري محاولات محمومة لجر الخصمين إلى طاولة المفاوضات، فيما سماه "المحاولة الأخيرة" التي انتهت إلى "لا شيء" نيسان 2014

تاريخيا، وحتى في مفاصل القضية الفلسطينية، كان الرؤساء الجمهوريون هم الأجرأ في المبادرة واتخاذ القرارات (حربا وسلما)، فجورج بوش الأب هو الذي اضطر جميع الفرقاء إلى مفاوضات مدريد التي انتجت سلاما بين إسرائيل والأردن والفلسطينيين (أوسلو ووادي عربة).

وبوش الإبن هو صاحب رؤية ومبادرة "حل الدولتين" التي تشبث بها الفلسطينيون والعرب ولفظها نتنياهو.

فهل يفعل الرئيس الجمهوري الجديد دونالد ترمب شيئا حيال أطول نزاع في العصر الحديث؟

ما رشح من زيارة ترامب لاسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة في اليومين الفائتين، ولقاءاته بنتنياهو والرئيس عباس وتصريحاته عقب اللقاءات، يخضع للتأويل وفق زاوية النظر التي ينطلق منها أي محلل.

وظاهر الأمر، من تصريحات ترامب، أن هناك "ما سيحدث"، فهو كما يقول عن نفسه "استثنائي"، وبوصفه رجل أعمال، يحب إنجاز الصفقات، ولذلك تحدث عن "صفقة كبرى" في ما يتعلق بالعملية السلمية وبأنه سيكون الرئيس الأميركي الذي سينهي القضية بـ"حل نهائي".

غير أن المتفحص لكلماته لا يجد شيئا عمليا أو ملزِما، مجرد غموض، فلا مشروع ولا أفكار.

فهو "لم يقدم إطارا لحل نهائي لصفقة كبرى كما يسميها" وفق المحللة السياسية الخبيرة في الشأنين الفلسطيني والأميركي لميس أندوني.

ولاحظت أندوني، في تصريح إلى "النهار" أن الإدارة الأميركية يهمها "عقد محادثات اسرائيلية فلسطينية لعدة أسباب"، أولها: خلق انطباع واهِم لدى بقية الدول العربية بوجود أفق لتسوية نهائية، حتى ينجح ويتم تعميق التحالف الأمني الإقليمي أو الناتو الإقليمي".

والثاني، وفق أندوني، "حتى تلتزم السلطة الفلسطينية بتقويض أي مظاهر مقاومة أو تحريض (كما يسميها ترامب) على الإرهاب ... وتقبل الشروط الأمنية الجديدة والقديمة".

أما الثالث: فحتى تعطي إدارة ترامب لإسرائيل وقتا لترسيم حدود المستوطنات كما تريد وتِباعا.

فلن يكون هناك شرط حتى لتجميد حقيقي للمستوطنات، بل "تفاهم ضمني يشبه اتفاق شارون مع بوش الابن وهو أنّ مفهوم تحديد توسيع المستوطنات لا يمس الكتل الاستيطانية يالكبرى والطريق الالتفافي والجدار العنصري".

و أهم مؤشر على ذلك، برأيها، هو إعلان الإدارة الأميركية بأن "لا موقف لها تجاه هوية الأراضي المقام عليها الجدار" وهو أمر خطير، معناه أنه "لا تسوية غير تثبيت السيطرة الاسرائيلية".

وحتى لو تم إحياء "ما يسمى بعملية السلام"، فتؤكد أندوني أن ذلك "لا يعني فتح الطريق أمام إنهاء الاحتلال".

هذا الاستنتاج يؤيده بقوة الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية والإسرائيلية الدكتور حسن البراري، الذي وإن اعتقد في إمكان نجاح ترمب في "عقد لقاء يضم الطرفين ... لكنه لن ينجح في عقد صفقة"، وإنما "سيكون جهده مماثلا لجهد بوش الإبن في أنابوليس 2007 وأوباما في فترته الأولى تحديدا".

وهو يذكّر بتصريح أخير لترامب إلى مجلة "نيوزويك" بأنه "بالغ في توقعاته".

ليس ذلك فقط، بل يذهب البراري إلى أن ترامب "يبالغ في الظن بقدرته على إقناع طرفي النزاع على تقديم الحد الأدنى من التنازلات التي تسمح بعقد صفقة كبرى".

ويدلل على ذلك باشارة إلى تركيبة الحكومة والكنيست الإسرائيليين التي "لا تسمح بتحصيل او خلق أي صفقة". ويجزم بأن هذه التركيبة تعبر عن "انزياح طرأ على المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين ... وخصوصا حيال مسألتي الاحتلال والاستيطان" .

وهو يشك بقدرة نتنياهو (حتى لو رغب) بتقديم تنازلات أو التوجه إلى الحل السياسي، لأن ذلك "سيكلفه كثيرا داخل الائتلاف الحاكم ... ويلزمه ممارسة ضغط كبير لتغيير أولويات هذا الائتلاف".

وببساطة يلخص البراري الأمر بالقول "الحكومة الإسرائيلية تشعر بأنها أقوى بكثير من أن تستجيب لأي مبادرة او تقدم تنازلات كالتي قدمها إيهود باراك في كمب ديفيد 2000 ... والطرف الفلسطيني أضعف بكثير من أن يقبل بأقل بكثير مما قدم للراحل عرفات".

فهل يقلب ترامب التوقعات ويضغط في اتجاه "الحل النهائي"؟ وهو الذي عود الأميركيين والعالم على الخطوات المفاجئة في أقل من ستة أشهر؟

فهو تراجع، او "تروّى" بخصوص نقل سفارة بلاده إلى القدس، وهو الذي تروّى كذلك عن إلغاء الاتفاق النووي مع إيران على رغم تصعيد حدة تصريحاته حيالها، وآخرها في القدس والرياض..

يبقى أن ننظر إلى فريق ترامب لنرى إلى أين تتجه بوصلته. فسفيره الجديد لدى تل أبيب ديفيد فريدمان هو مستوطن يهودي، ومحامي إفلاس. وصهره جاريد كوشنير صاحب النفوذ القوي في البيت الأبيض يهودي، ومبعوثه للشرق الأوسط جيسون غرينبلات محامي عقارات يهودي كذلك.

هؤلاء ماهرون في إجراء الصفقات، لكن في أي اتجاه؟