في عام 2013، طرحت الصين لأوّل مرة مبادرة حزام طريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21، وتعرف اختصارا باسم حزام واحد- طريق واحد.
 

تهدف هذه المبادرة في صلبها إلى إحياء طريق الحرير التجاري القديم، وإلى إقامة طريق بحري مواز له، يربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، وذلك من أجل تحقيق المزيد من تحرير التجارة، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين الدول الواقعة على خط الحرير،وفي محيطه، البالغ عددها حوالي 65 دولة.
 
وتحتاج هذه المبادرة إلى إنشاء شبكة متطورة من خطوط النقل، وإلى بنية تحتيّة قوية في الدول الرئيسة الواقعة على طول الخط، وفي محيطه، وذلك من أجل تسهيل عملية انتقال السلع والبضائع والمواد الأولوية، ناهيك عن تسهيل انتقال الأفراد والأموال. 

ولما كانت معظم هذه الدول غير قادرة عمليا على تحقيق ذلك دون الحصول على مساعدة مالية مناسبة، نظرا لضخامة المشروع، قامت الصين بتأسيس ودعم عدد من المؤسسات المالية الضخمة المرتبطة بهذا المشروع.
 
وخلال السنوات القليلة الماضية، نجحت الصين في  إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB)، ووصل رأس مال البنك الذي انضمت إليه العديد من الدول إلى حوالي 100 مليار دولار. 

وتمّ تخصيص صندوق مالي صيني "صندوق البنية التحتية لخط الحرير" بقيمة 40 مليار دولار، وستقوم هذه المؤسسات بالإضافة إلى المؤسسات المالية الصينية بدعم المشاريع المتعلقة بالبنية التحتيّة في الدول المعنيّة بالمبادرة.
 
من الواضح أنّ المشروع ضخم بتفاصيله وتكاليفه، وهناك من يعتبر أن المشروع كبير وعام، إلى درجة أنّه قد يكون غير واقعي. 

لكن هناك من يرى في المقابل أنه يعبر عن تطلعات الصين المستقبلية.  

في العقد الأخير تحديدا، أثار هذا النوع من المبادرات الصينية الضخمة مخاوف لدى القوى الغربية على وجه الخصوص، من أن تكون بكين في صدد التحضير للانقلاب على النظام الدولي والمؤسسات التي أنشئت بعيد الحرب العالمية الثانية.
 
عمليا، صحيح أن هذه المؤسسات أنشأتها وقادتها دول غربية كانت ولا تزال تسيطر عليها بما يخدم مصالحها الأساسية، بعيدا عن مصالح الآخرين، لكن في المقابل، لا يوجد شك بأنّ الصين استفادت في المرحلة الأخيرة من هذا النظام القائم، كما لم تستفد منه ربما أي دولة من قبل. 

لذلك، فإن افتراض قيام الصين بانقلاب على هذا النظام لا يبدو ممكنا إلا في حالة واحدة تتعلق بالسؤال التالي: "هل سيبقى هذا النظام مفيدا للصين خلال المرحلة المقبلة أم لا؟".
 
من المؤكد أن النظام الدولي بات يعاني خلال العقد الماضي من أزمات حقيقية تهدده في صميمه، ولا شك أنّ الصين أكبر مستفيد من هذا النظام حاليا من الناحية الاقتصادية لا ترغب في أن ينهار دون أن تكون قادرة على الاستفادة مما يأتي بعده. 

وتجنبا لمثل هذا الوضع، هناك من يرى بالفعل أنّ الصين كانت قد شرعت منذ فترة ببناء مؤسسات مكمّلة و/أو موازية للمؤسسات الدولية القائمة لاسيما في المجال الإقتصادي والمالي في مسعى منها على ما يبدو لضمان تعزيز موقعها ودورها.
 
وفي هذا السياق، فإن إعادة طريق الحرير إلى الحياة من جديد لا يسعى إلى تحقيق الأهداف التي أشرنا إليها في بداية المقال فقط، وإنما إلى خدمة الرؤية الصينية المتعلقة بالنظام الدولي. 

لكن عمّا إذا كان المشروع سيتحقق بالفعل أم لا، فضلا عن أن يؤدي الغرض المطلوب منه؟ فهذا سؤال كبير سنحتاج إلى الكثير من الوقت قبل أن نتأكد من طبيعة الإجابة عليه، فضلا عن حقيقة أنّ الصين كما قال تشانغ ده جيانغ، رئيس اللجنة الدائمة لـ"البرلمان" الصيني، تعد المبادرة بالمشروع، لكنّه ليس عرضا لرجل واحد، ما يعني أن إطلاق المشروع اعتمد عليها، لكنّ إنجازه يعتمد على الكثير من اللاعبين.