لفتت صحيفة الديار الى أنه يبدو أن خطر ذئبي التمديد والفراغ قد ابتعد اكثر من اي وقت مضى، لينحصر السباق مبدئيًا بين خيار القانون الجديد وشبح قانون الستين الذي سيصبح أمرًا واقعًا إذا تعذر التفاهم على سواه، وذلك انطلاقا من فتوى سياسية تصنفه في خانة أهون الشرور قياسا الى التمديد والفراغ
 

وبعدما استشعر الرئيس نبيه بري أن هناك محاولة لالباسه قميص التمديد الوسخ، وتحميله أعباء فاتورته المرتفعة، شعبيًا ووطنيًا، قرر أن ينتفض عليه وينفض يديه منه، لا سيما أنه ليس متحمسا له في الاساس، لكنه كان يعتبره كاللقاح المصنوع من السمّ، للوقاية من وباء الفراغ.

وتابعت الصحيفة: "وحتى عندما حصل التمديد للمجلس النيابي سابقا، كان بري يحرص على التأكيد انه قبِل به مسايرة للرئيس سعد الحريري الذي لم يكن يحبذ اجراء الانتخابات حينها، فإذا بالحريري هو الذي يعلن هذه المرة، ومن عين التينة، عن رفضه القاطع للتمديد متناغما في موقفه مع طرح رئيس الجمهورية ميشال عون".

والارجح، أن بري أحس بأن هناك من يسعى الى أن يصوره كمبشر بالتمديد، لتسجيل نقاط سياسية عليه واحراجه شعبيًا، فيما هو يكاد يكون أكبر الرابحين من اجراء الانتخابات، باعتبار أن الفوز الكاسح فيها للثنائي الشيعي مضمون، وفق اي قانون، وبالتالي فإن عودة بري الى رئاسة المجلس محسومة ايضا، من بوابة الشرعية الدستورية والشعبية تحديدا، وليس من "ثقب" التمديد.

وانطلاقًا من هذه الحسابات، أعطى بري اشارات واضحة الى ان جلسة 15 ايار قابلة للتأجيل ما لم يتوافر فيها شرطا الميثاقية والتوافق، ثم عاد و"طمأن" امس خلال لقاء الاربعاء النيابي الى ان التمديد للمجلس غير وارد قطعا، قاطعا بذلك الطريق امام محاولات الاجتهاد في تفسير نياته.

وكان لافتا للانتباه خلال الايام القليلة الماضية ان "الحرب الناعمة" بين بري والتيار الوطني الحر باتت "خشنة"، على وقع الخلافات المتصاعدة حول قانون الانتخاب، والتي تطورت الى تبادل لـ"القصف السياسي" بين "مرابض" عين التينة والرابية.

ليس خافيا أن بري عارض بشدة انتخاب عون رئيسا للجمهورية، لكن الرجل المعروف بحنكته، والمعترف بها من خصومه قبل حلفائه، سارع الى التكيف مع متطلبات المرحلة الجديدة، واتفق مع الجنرال على فتح صفحة جديدة، لا سيما أن ما يجمعهما استراتيجيا أكبر مما يفرقهما.

وقد تُرجمت المرونة المتبادلة، مع انطلاقة العهد، بإقرار المرسومين النفطيين الحيويين وانجاز العديد من التعيينات الاساسية والتعاطي بسلاسة مع الملفات الخلافية، ثم ما لبث ان انطلق حوار عميق بين الوزيرين جبران باسيل وعلي حسن خليل، برعاية المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، بغية اعداد "ورقة تفاهم" تجمع حركة امل والتيار الحر حول ثوابت داخلية، وهي ورقة أنجز جزء واسع منها، قبل ان تداهمها ازمة قانون الانتخاب.

بهذا المعنى، فإن التصعيد المستجد في خطابي الحركة والتيار يأتي من خارج السياق العام للمسار البراغماتي الذي سلكه الجانبان بعد انتخاب عون، وأخطر ما في هذا الاشتباك أن الرائحة الطائفية الكريهة تفوح منه، وانه يعطي انطباعا بأن أزمة القانون هي شيعية- مسيحية، في حين ان التدقيق في تفاصيلها يُبين انها ليست على هذا النحو، خصوصا ان الجزء الاوسع من الخلل والغبن في التمثيل المسيحي لا يتحمل مسؤوليته في الاساس الثنائي الشيعي، بل تسببت به جهات اخرى.

وعليه، يصبح من الضروري تصويب وجهة المواجهة، وضبط ايقاعها، تفاديا للتداعيات التي قد تترتب على تحويرها وتحريفها...

ولعله سيكون من المفيد ايضا ان يلتقي الرئيس عون والرئيس بري في مثل هذا التوقيت الدقيق، بصفتيهما الدستورية والتمثيلية، بعد انقطاع طويل، اقله من اجل تنظيم الخلاف إذا كان الاتفاق التام متعذرا الآن.