ليس مهماً أن تتعثَّر قدَم الرئيس ميشال عون في القمة العربية على ضفاف البحر الميّت في الأردن... بل المهمّ ألا تتعثَّر في بعبدا وعلى ضفاف بحر لبناني ميّت.وليس مهماً، أن يأمر الرئيس ميشال عون بإطفاء الإنارة الخارجية لقصر بعبدا لمناسبة «يوم الأرض» الذي احتفل به العالم في 22 نيسان.
 

بل المهم ألَّا تنطفئ الإنارة الداخلية لقصر بعبدا، فتعمَّ عندنا ظلمة الأرض بعد الخامس عشر من أيار.

حكم المئة يوم هو المؤشّر الذي يحدد خريطة الطريق للعروش المعرَّضة للعواصف والإهتزاز، هكذا راحت الدبلوماسية الدولية تقوِّم حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بما ستكون عليه إقامته الرئاسية: في البيت الأبيض أو في البيت الأسود.

وحكم المئة يوم هو المقياس التاريخي لانطلاقة الأحكام على اعتباره المدة التي حكم فيها نابوليون فرنسا بعدما عاد من منفى الأشهر العشرة، ومع أن الفرنسيين قد استقبلوه محمولاً على المناكب، إلّا أنه أخفق في مواجهة التحالف الأوروبي السابع، فنفي مرة جديدة الى جزيرة القديسة هيلانه.

ولكنْ، هناك مقياس تاريخيّ نابوليونيّ آخر، إقتحم به نابوليون سدّة الأمبراطوية، إنه شخصية الجنرال الفرنسي وطموحه اللّامحدود الى إحراز الإنتصارات على أعداء الثورة في الداخل والخارج، وحين أصبحت السلطة التشريعية موزَّعة بين أربعة مجالس: مجلس الشورى، ومجلس القضاء، ومجلس النواب، ومجلس الشيوخ، كان هو صاحب القرار الحسم.

يستطيع الجنرال اللبناني أن يحقق انتفاضة عونية على الذات، يقوم بها جنرال رئيس التيار على جنرال رئيس الجمهورية، لأننا، ونحن في الزمن الصعب ووسط جلَبة الحرب يقتضي أن نلجأ الى الخبرة لا الى الإختبار، وهو الجنرال الذي يجمع الى خبرة الشارع خبرة الحكم، في معزل عن نصائح المستشارين وتجارب الأقربين والمنتفعين الذين تكوكبوا حوله رئيساً للتيار والتحقوا به رئيساً للجمهورية.

مطلوب من الجنرال اللبناني أن يطلق الحكم الذي أصدره قاضٍ أميركي معلّقاً قرار رئيس البلاد بالقول: «لا صوت يعلو فوق الدستور بما في ذلك صوت الرئيس...»

وأن يقول للذين يمسخون القوانين الإنتخابية على أشكالهم: ليس من قانون يعلو فوق مصلحة الشعب ومستقبل الوطن. وأن يكتب بقلم الصحافي جورج نقاش: إنَّ الأمة الواحدة لا تقوم على ثنائيتين متواجهتين، ولا سبيل لوحدة وطنية تقوم على رفضين مذهبيَّين.

وعلى الجنرال الرئيس، أن يفك عقدة التحايل السياسي على المذاهب والأديان، وقد امتزجت الطائفة بالحزب فإذا رئيس الحزب هو رئيس الطائفة ورئيس الحزب معاً.

وعلى الرئيس أن يرشق الوجوه الصفراء بالماء، ويرفع الرؤوس الغارقة في الوحل منبِّهاً الى الخطر الذي يهدد كيان لبنان: خطر النزوح إليه بما يشبه الإحتلال، وخطر النزوح منه بما يشبه الإغتيال.

القصة اللبنانية المأساوية طويلة الفصول ولا نخال الجنرال الرئيس غافلاً عن مكنوناتها القاتلة، فإن عجز هو، وهو الرئيس القوي، فلن يقدر غيره وهو الرئيس الضعيف.

في ضوء المخاطر السيادية والإقتصادية والأمنية التي تهدد البلاد، وفي ضوء تعثُّر المؤسسات والتخلف عن الواجبات وخفّة المواقف وازدواجيتها، فإن المسؤولية التاريخية يقتضي أن يتلقَّفها رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة، فيحددوا المسار ويتخذوا القرار الذي يراعي مصلحة الوطن، ومستقبل الأجيال، فمن رضي رضيَ عنه الوطن ومن رفض كشف سرائر نفسه وانعزل.

وعلى الجنرال الرئيس أن يقوم بما يمليه عليه الضمير الوطني، أياً تكنْ الصعوبات، وبذلك يسجّل التاريخ إسمه، حتى ولو نُفيَ الى جزيرة القديسة هيلانه.