تصاعد التوتر على الحدود السورية العراقية التركية المشتركة بعد الضربات العسكرية التي نفذتها تركيا داخل سورية وفي عمق الشمال العراقي، تحديداً مدينة سنجار، التي أصبحت منذ نحو عامين معقلاً رئيساً لمقاتلي حزب العمال الكردستاني. وفي الوقت الذي أثارت فيه الضربات التركية مواقف متباينة، دافعت تركيا عن موقفها. وأكد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، لوسائل إعلام تركية من أوزبكستان أنه "قبل ساعتين من هذه العملية وكما تنص عليه اتفاقاتنا، تقاسمنا المعلومات مع الولايات المتحدة وروسيا". وأضاف "في الأسابيع الماضية، أبلغنا أصدقاءنا الأميركيين وحلفاءنا عبر القنوات العسكرية والدبلوماسية بأننا سنشن عملية في هذه المنطقة". وتابع "تركيا تتصرف بشكل شفاف حيال جميع القضايا. ليست لدينا أجندة سرية... نحن نحترم وحدة الأراضي السورية والعراقية".

بدوره قال المتحدث باسم الخارجية التركية، حسين مفتي أوغلو، إن أنقرة أبلغت الملحقين العسكريين الأميركي والروسي خطياً، بينما اتصل رئيس هيئة الأركان التركي الجنرال خلوصي أكار بنظيريه في موسكو وواشنطن. وقال حذرت تركيا منذ زمن "الأطراف الثالثة" العاملة في نطاق 30 كلم من الحدود التركية لكي تبتعد عن "مواقع الجماعة الإرهابية". وجاء الانتقاد الأبرز من قبل النظام السوري بعدما نقلت وكالة "سانا" للأنباء التابعة للنظام السوري، عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية، إدانته "بأشدّ العبارات العدوان الصارخ الذي قام به نظام (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان على الأراضي السورية". وأضاف المصدر أن "سورية تؤكد أن هذا العدوان يتناقض مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبدأ حسن الجوار، وتحذر من المساس بسيادتها ووحدة أرضها وشعبها". ودعا المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة إلى "إدانة هذا العدوان وسياسات النظام التركي الداعمة للإرهاب". أما في العراق، فأفادت حكومة إقليم كردستان العراق، أمس الأربعاء، أن القنصلية التركية في الإقليم نقلت اعتذار حكومة أنقرة عن قيام الطائرات التركية بقصف موقع لقوات البشمركة في سنجار بشكل خاطئ، وتعهدت بعدم تكراره، كما عبرت عن استعداد تركيا معالجة البشمركة الذين أصيبوا في القصف.

وكان الجيش التركي، أكد في بيان، مقتل نحو 40 من مسلحي حزب العمال الكردستاني في جبل سنجار، ونحو 30 آخرين ينتمون إلى وحدات "حماية الشعب" السورية الكردية في جبل قرة تشوك، شمال شرقي سورية، في القصف الذي طاول المنطقتين فجر الثلاثاء. وكان أردوغان قد أعلن، الثلاثاء، أن بلاده "لن تسمح بأن تصبح سنجار قاعدة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني"، المصنف ضمن ما يُسمّى بـ"التنظيمات الإرهابية" في العالم. وكان الكردستاني حوّل منطقة سنجار في شمال غربي العراق إلى قاعدة متقدمة له إثر طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منها، ما ولّد قلقاً تركياً تُرجم من خلال الضربات الجوية. وشدّد على أن "القصف لا يستهدف البشمركة"، مشيراً إلى أنه "تمّ إبلاغ رئيس الإقليم الكردي شمالي العراق، مسعود بارزاني، والولايات المتحدة، وروسيا قبل الغارات".

وأبدى أسفه لسقوط قتلى من البشمركة في الغارات التركية، مضيفاً "لم يكن من المفترض وجود عناصر منهم في النقاط المستهدفة". من جهتها، عبّرت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء الضربات التركية، كما قام مسؤول عسكري أميركي بزيارة مقر تابع للوحدات الكردية استهدفه الطيران التركي، في تأكيد على حرص واشنطن على عدم تصاعد الخلاف بين تركيا، والوحدات، خصوصاً كون الأخيرة تعد الذراع البرية للتحالف الدولي في محاربة "داعش" في الشرق السوري. من جانبه، قال القيادي السوري الكردي البارز الدار خليل، لـ"العربي الجديد"، إن "القصف التركي لمواقع تابعة للوحدات الكردية استمرار لسياسات العداء التركية للوجود الكردي، وقضيته"، على حد وصفه.. وأضاف أن "الأتراك باتوا في طور الاستعداد لشن عملية عسكرية واسعة في شمال سورية، تستهدف مواقع الوحدات الكردية، وأخرى تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمالي العراق.

ومع غياب البيانات الرسمية التركية حيال ذلك، ولكن التصعيد الأخير، وتصريحات المسؤولين الأتراك المتتابعة تشي بأن العملية باتت قاب قوسين أو أدنى". وتوقع خليل عملية تركية في شمال سورية، مشيراً إلى أن "أنقرة سبق أن تدخلت في سورية"، مضيفاً أنه "ليس مستغرباً أن تقوم بذلك مرة أخرى. ويبدو أنّ أنقرة تخشى من تحوّل المثلث الذي يربط تركيا وسورية والعراق إلى معقل لحزب العمال الكردستاني، بعد أن بقي مسلحوه لفترة طويلة في جبال قنديل، وهذا ما يفسر الإصرار التركي على منع ذلك، رغم ما يجره ذلك من خلاف مع الإدارة الأميركية التي تعتمد على الأكراد لمقاتلة داعش في سورية والعراق". بدوره، أكد المحلل السياسي التركي، أوكتاي يلماز، أن بلاده "مصرّة على مواجهة كل خطر إرهابي يستهدفها في الداخل والخارج"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الغارات الجوية على شمال العراق وسورية كانت متوقعة".

وأشار إلى أن "تركيا كانت واضحة في أن نهاية عملية درع الفرات، ستكون بداية لعمليات أخرى في سورية، من أجل القضاء على الإرهاب بكل أشكاله"، معرباً عن قناعته بأن "حزب العمال الكردستاني أخطر على تركيا من تنظيم داعش". وأكد أن "الجيش التركي على وشك البدء بعملية عسكرية من أجل تطهير منطقة سنجار العراقية من مسلحي حزب العمال الكردستاني"، لافتاً إلى أن "الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق لم تقوما بواجبهما، لذا فإن الجيش التركي مضطر إلى إبعاد الخطر، وطرد حزب العمال الكردستاني من منطقة سنجار القريبة من الحدود التركية". وأكد يلماز أن حكومة بلاده "لن تستأذن أي طرف من أجل حماية مواطنيها من إرهاب الداخل والخارج"، في إشارة منه إلى الولايات المتحدة التي تحاول تحقيق توازن في علاقتها مع تركيا والتنظيمات الكردية.

وأكد أنباء تحدثت عن نيّة بلاده "إعادة ضريح سليمان شاه، جد مؤسس الدولة العثمانية، إلى مكانه السابق في منطقة قره قوزاق في شمال شرقي حلب"، لافتاً إلى أن "تركيا ارتكبت خطأ بنقله من هناك بداية عام 2015، إبان سيطرة داعش على المنطقة، التي تعتبر أرضاً تركية كما تنص اتفاقيات دولية". وتحتفظ أنقرة بعلاقات مميزة مع إقليم كردستان العراق، كما تحاول تلافي قيام إقليم مضادٍ لها على حدودها الجنوبية، وتعتبر ذلك من الخطوط الحمراء غير المسموح بتجاوزها. وفي ظلّ هذا الوضع، تراقب بقلق واضح الدعم الأميركي للوحدات الكردية التي تقاتل الآن "داعش" جنوب نهر الفرات، في مسعى للسيطرة على مدينة الطبقة الاستراتيجية في ريف الرقة الغربي.

 

محمد أمين