يعبّر تقدم كوريا الشمالية عن تناقض واضح وفاضح في بينية الدولة وعلاقاتها إلى حد تهديد يشمل العالم كافة، بعدما تمادت الأخيرة في طموحاتها النووية حد الجنون وفي الآن عينه يرزح شعبها داخليًا تحت وطأة حصار سياسي واقتصادي.
 

فقد حذر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجددًا بيونغ يانغ، في تغريدة له على تويتر أخيرًا قائلًا إن "كوريا الشمالية تبحث عن مشاكل.

وإذا قررت الصين المساعدة فسيكون ما شهده العالم من تحولات عالمية منذ تسعينيات القرن الماضي وتغيير أنظمة سياسية وتفكك دول عديدة وانقسامها يثير التساول حول مصير الكوريتين ومستقبلهما. كما ان طبيعة الروابط السياسية والاقتصادية والأمنية التي ميزت تحالفات الكوريتين واستمرار بعضها، وغياب أو اضمحلال أخرى، يطرح التساؤل حول ما يمكن أن تمر به المنطقة من تحولات مستقبلًا.

وأكد باحث في دراسة صادرة من دار العربي للنشر أن كوريا الشمالية امتلكت القدرات النووية، وبرهنت على هذا الامتلاك بإجراء أكثر من تجربة نووية خلال سنوات لتؤكد لكل الأطراف الأخرى مصداقية الردع النووي الكوري الشمالي، واستعداد النظام السياسي القائم في بيونغ يانغ للمواجهة مع استمرار مسيرة المفاوضات الدولية.

فأبرز ما تطرحه التجربة الكورية الشمالية في هذا الإطار هو قدرة النظام السياسي على استثمار كل الموارد المتوافرة لدى الدولة للوصول إلى امتلاك القدرات النووية، على الرغم من الحصار والمقاطعة، التي حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة فرضها، إلا أنها أقرّت أخيرًا بالأمر الواقع، وحققت كوريا الشمالية هدفها التاريخي في المفاوضات الثنائية مع الولايات المتحدة والإقرار الفعلي بالنظام القائم في بيونغ يانغ.

مجابهة تهديدات

وأشار الباحث إلى أن أسباب كوريا الشمالية لامتلاك وتطوير القدرات النووية متعددة، ونجد من أبرزها: أولًا السعي إلى ردع القوات الأميركية على الحدود الكورية – الكورية، ثانيًا رغبة كوريا الشمالية في مواجهة تفوق الشطر الجنوبي في المجالات التقنية والتسليحية والتي تزوّدها الولايات المتحدة بها، ثالثًا تعزيز مكانة البلاد وهيبتها وإعطاء المزيد من عوامل القوة للبلاد على المستوى الدولي، رابعًا تعزيز شرعية النظام السياسي القائم في مواجهة التهديدات والتحديات الخارجية، وخصوصًا من الولايات المتحدة وحلفائها.

وقال "إن السياسة الأميركية تجاه الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية، والتي تتسم بالصلابة، ومحاولة خنق النظام الحاكم في كوريا الشمالية، أو دفعه نحو الهاوية بفرض مزيد من العزلة الاقتصادية والدبلوماسية عليه، هي سياسة محدودة النتائج وغير فعالة في تحقيق الاستقرار في شبه الجزيرة، بل إنها تؤدي في معظم الأحيان إلى نتائج عكسية من شأنها أن تؤجّج الأزمة هناك بدلًا من حلها.

وفي مجمل سلوكيات النظام السياسي في كوريا الشمالية من تجارب نووية وصاروخية مختلفة تطرح حقيقة أن هناك رغبة كورية شمالية في لفت نظر العالم إلى أنها تستحق اهتمامًا أكثر واحترامًا اكبر في المفاوضات السياسية التي تجري بين الدول الست لتشكيل الملامح الرئيسة لمستقبل كوريا الشمالية.

ليس حلًا

فالوضع لا يزال خطيرًا في شبه الجزيرة الكورية، والانتظار سنوات عدة أخرى، من دون إحداث تقدم ملموس لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، سيؤدي إلى عواقب وخيمة، من أبرزها المزيد من التطوير في القدرات النووية والصاروخية الكورية الشمالية، فضلًا عن مزيد من التصرفات العسكرية الاستفزازية من جانب بيونغ يانغ، ومن ثم يبدو أن الانتظار لن يكون الحل الأمثل لضمان الاستقرار والأمن في شبه الجزيرة الكورية.

وأكد الباحث على ضرورة التعاون الأميركي - الصيني لتجميد البرامج النووية والصاروخية لدى كوريا الشمالية، مقابل دفع ثمن مناسب بالطبع، ولكن في المدى الطويل، ستظل أزمة شبه الجزيرة الكورية بلا نهاية، ما دامت أسرة كيم تسيطر على السلطة السياسية في بيونغ يانغ، والمخاوف المستمرة من إمكانية انهيار النظام تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد، وهنا من الصعب تخيل حجم الفوضى وعدم الاستقرار الذي يمكن حدوثه في المنطقة، والخوف من الأسلحة النووية التي تمتلكها كوريا الشمالية، لتبقى الحقيقة هي أن التوتر وعدم الاستقرار في هذه المنطقة المضطربة سيستمران لفترة طويلة مقبلة. بهذه الكلمات ينتهى الكتاب، لكن فصول القصة مستمرة من دون نهاية.

 

(ايلاف)