بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ربما كان اختيار الأهداف وإطلاق صواريخ الكروز عقاباً للنظام السوري على استخدام الأسلحة الكيماوية قراراً واضح المعالم. المشكلة الكُبرى فيما سيأتي بعده.
 

كان الجيش الأميركي يجهّز خيارات التدخل العسكري ضد الرئيس بشار الأسد منذ ما قبل 2013، عندما قتل بوتين ما يزيد على الألف من مواطنيه في هجومٍ مدمر بغاز الأعصاب.

ويوم الثلاثاء الماضي قتلت هجمة أخرى متهّمٌ فيها نظام الرئيس بشار الأسد أعداداً كبيرة من المدنيين، واستفزت ردة فعلٍ من البنتاغون، الذي أطلق قرابة 50 من صواريخ الكروز على قاعدة جوية سورية في وقتٍ متأخر من يوم الخميس، وفق ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

يقول فيل غوردن، مسؤول رفيعٌ بإدارة أوباما شارك في العديد من النقاشات المبكّرة حول كيفية معاقبة الأسد: "لم تتغير الأسئلة الرئيسية. هل هناك مجموعة من الضربات العسكرية يُمكن استخدامها لتجريد النظام السوري من قدرته على استخدام الأسلحة الكيماوية؟".

الاختلاف الأكبر بين الوضع في 2013، حين هدّد الرئيس باراك أوباما بشنّ ضرباتٍ جوية ضد نظام الأسد، وبين الوضع اليوم هو أن مخاطر اتساع نطاق الصراع أكبر بكثير.

كانت خطط الحرب الأميركية الأولية ضدّ الأسد في 2013 تستهدف الأسلحة الكيمياوية، وفقاً لمسؤولين أميركيين سابقين شاركوا في المشاورات. واعتُبرت أي هجمة مباشرة على مخزون الأسلحة الكيمياوية لنظام الأسد شديدة الخطورة، إذ من المتوقّع أن ينشأ عنها عمودٌ من الدخان القاتل.

بدلاً من ذلك، وضع المخططون العسكريون قائمة أهداف تضمّ وحدات الأسلحة الكيمياوية، والطائرات والمدافع التي يحتاجها النظام لإطلاق قذائفه. قال مسؤول أميركي سابقٌ اشترط عدم ذكر اسمه من أجل مناقشة الخطط العسكرية: "الهدف كان ضرب وحدات الأسلحة الكيمياوية المختلفة. نشرنا عناصرنا الاستخباراتية من أجل تزويدنا بتقديراتٍ عن الضرر الذي أحدثته عمليات القصف - وإن لم نحقق الأثر المنشود، كنّا لنقصفهم مرة أخرى".

الاختلاف الأكبر فيما يواجهه ترامب وقادة الجيش الآن هو تواجد القوات الروسية في ميدان القتال، وأنظمة الدفاع الجوي الروسية القادرة على إسقاط الطائرات الأميركية. اليوم، القوات الروسية متداخلة مع القوات السورية، وأي ضربة على هدفٍ عسكري سوري ربّما تنتج عنها خسائر عسكرية للجانب الروسي.

الجنرال المتقاعد جون ألين، الذي نسّق الحملة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في عهد أوباما، قال إن الضربات العسكرية كانت لتحمل أثراً "حاسماً" على مسار الحرب في حالة إطلاقها في 2013. ووصف قرار أوباما بالامتناع عن شنّ الهجمات بالمدمّر.

وأضاف: "الأمر أصعب بكثيرٍ الآن. يجب أن تسأل الولايات المتّحدة نفسها: إلى أيّ حدٍ نُريد أن نغضب بشأن هذه القضية؟ هل نحن غاضبون أخلاقياً بما يكفي للتحرّك حتى مع احتمالية سقوط قتلى روسيين؟".

المخاوف الكُبرى الأخرى هي أنظمة الدفاع الجوي السورية والروسية، والتي لم تستهدف الطائرات الأميركية من قبل لأن الطيران الأميركي ينصبُّ تركيزه بشكلٍ كبير على قتال تنظيم الدولة الإسلامية، العدو المشترك بين الولايات المتّحدة والنظام السوري.

أندرو إكسوم، مسؤول سابقٌ بوزارة الدفاع الأميركية في عهد أوباما، يقول: "يُمكن للسوريين والروس أيضاً إفساد الأمر. لقد حلّقت طائرات أميركا والتحالف خلال أنظمة الدفاع الجوية على مدار العامين الأخيرين. إن وجهت ضربة للنظام، فإنك تُعطيه المبرر ليبدأ في إسقاط طائرات التحالف باستخدام الأنظمة المضادة للطائرات".

على أقل تقدير، يُمكن لمثل هذا التحرّك من جانب السوريين والروس أن يقلق بعض حلفاء الولايات المتّحدة ويتسبب في انسحابهم من القتال، وفقاً لإكسوم.

وإن سقطت الطائرات الأميركية أو أُجبرت على الردّ على الرادارات السورية والروسية، يُمكن أن تُجذب الولايات المتّحدة إلى قلب الحرب الأهلية الفوضوية في سوريا. هذه النتيجة لن تضع حيوات الأميركيين فقط في مزيدٍ من الخطر، وإنما ستجعل حرب الولايات المتّحدة ضد الدولة الإسلامية، والتي أعلن ترامب أنها على رأس الأولويات في سياسته الخارجية، أصعب بكثير.

يُمكن ترامب تفادي بعض هذه الأخطار عن طريق طمأنة الروس بأن الضربات مصمّمة فقط لمعاقبة نظام الأسد على استخدام الأسلحة الكيمياوية، وليس للإخلال بتوازن الحرب الأهلية. ومن الممكن أيضاً أن تُعطي تلك الضربات الولايات المتّحدة أفضلية تمكّنها من التوصل إلى تسوية مع الروس تنتهي بموجبها الحرب الأهلية، وفقاً لبعض المحللين.

يقول أندرو تابلر، خبيرٌ بالشأن السوري بمعهد واشنطن "الرسالة السياسية التي تُرسلها تلك الضربة هي أنّك تنتهج نهجاً مختلفاً تماماً عن الإدارة السابقة". مثل هذا التحرّك سيُسبب قلقاً داخل النظام السوري يُمكن للولايات المتّحدة أن تستغلّه لمصلحتها.

وأضاف تابلر: "أن تخلق الشكّ وأن تكون غير متوقعٍ في تحركاتك ربّما يُكسبك ما هو أكثر بكثير بالمقارنة بما كانت إدارة أوباما على استعدادٍ لفعله: لا شيء".

وحتى مع اعترافهم بالمخاطر الكبيرة التي تشتمل عليها الضربة العسكرية ومخاوفهم من طبيعة ترامب العشوائية، حرّض بعض المسؤولين بإدارة أوباما على التحرّك.

يُضيف جوردن، والذي شغل منصب مُدير شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض في عهد أوباما "إن لم تتحرّك، فإن تقول للأسد وداعمي النظام ضمنياً أن استخدموا ما تشاؤون من غاز السارين. لقد اختبر الأسد أوباما. والآن يحظى ترامب باختبارٍ مبكر".

 

(هافينغتون بوست)