التأييد الكبير الذي أعلنته غالبية بلدان الخليج للضربة الصاروخية على قاعدة الشعيرات في سوريا يأتي من منطلقات مبدئية، وأيضا لاعتبارات استراتيجية تتعلّق بالمواجهة التي تخوضها تلك البلدان ضدّ وكلاء إيران في المنطقة، ولا سيما في اليمن، حيث تعتبر الضربة مؤشّرا على جدية واشنطن في الانخراط في تلك المواجهة إلى جانب حلفائها.
 

شهدت العاصمة اليمنية صنعاء الواقعة تحت سيطرة المتمرّدين الحوثيين المتحالفين مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الجمعة، حراكا سياسيا، وصفته مصادر مطلّعة بـ”غير الاعتيادي” وربطته بالضربة الصاروخية التي وجهتها الولايات المتحدة لقاعدة الشعيرات الجوية السورية، كون تلك الضربة تتضمّن رسالة واضحة لأتباع إيران في المنطقة، ومن بينهم جماعة الحوثي، بشأن جدّية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانخراط في مواجهتهم بشكل مباشر.

ووفق ذات المصادر، فإن قيادات من الصفّ الأول من جماعة أنصارالله الحوثية عقدت اجتماعا عاجلا برئاسة محمّد علي الحوثي رئيس ما يعرف بـ”اللجنة الثورية العليا”، خصصته لتدارس تداعيات الضربة في سوريا على الوضع في اليمن. لكن المصادر لم تورد تفاصيل عما دار بالاجتماع الذي قالت إنّه أحيط بقدر كبير من السرية والكتمان.

وتزامنت الضربة الأميركية في سوريا مع تسارع الاستعدادات لشنّ حملة عسكرية مدعومة من التحالف العربي لاستكمال تحرير الشريط الساحلي الغربي لليمن من سيطرة المتمرّدين الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح، بما في ذلك أهم موقع بذلك الشريط، محافظة الحديدة بمينائها الاستراتيجي الذي أصبح يمثّل آخر شريان لإمداد المتمرّدين بالسلاح والمساعدات الإيرانية المهرّبة عبر البحر.

وسبق لمصادر سياسية أن تحدّثت عن ضوء أخضر أميركي لبدء تلك العملية المفصلية في جهود تحرير كامل اليمن من سيطرة الحوثيين، وذلك تجسيدا لمنظور الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب الأكثر توافقا من سابقتها إدارة باراك أوباما مع رؤية بلدان الخليج بشأن سلبية دور طهران وتدخلاتها عبر وكلاء لها في المنطقة، وأكثر تفهما للخطوات التي تتخذها تلك البلدان لمواجهة تلك التدخلات، وأبرزها انخراط التحالف العربي في مواجهة عسكرية ضد المتمرّدين في اليمن.

وأيدت غالبية بلدان الخليج الضربة الصاروخية على قاعدة الشعيرات في سوريا، من منطلقات مبدئية كخطوة لكف يد نظام دمشق عن تقتيل المدنيين باستخدام آلته الحربية ومن ضمنها سلاح الطيران، لكن أيضا باعتبارها إنذارا لأذرع إيران في المنطقة العربية ومؤشرا على حزم أميركي في مواجهتها.

وعبّرت دولة الإمارات العربية، الجمعة، عن تأييدها الكامل للهجوم الصاروخي الأميركي على قاعدة الشعيرات الجوية التابعة للنظام السوري، والذي جاء ردا على قصف بلدة خان شيخون في إدلب بالأسلحة الكيميائية.

وحمّل أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي “نظام الأسد مسؤولية ما آل إليه الوضع السوري”، بحسب بيان نشرته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية. ووصف قرار الهجوم الصاروخي بأنه “شجاع وحكيم”.

وأشار قرقاش إلى أن “القرار يؤكد حكمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويبرز ويعزز مكانة الولايات المتحدة بعد تقاعس مجلس الأمن الدولي عن أداء دوره في حماية السلم والأمن الدوليين”.

وأضاف “كما يجسد قرار الهجوم تصميم الرئيس الأميركي على الرد الحاسم على جرائم هذا النظام تجاه شعبه وإيقافه عند حده”.

وكانت المملكة العربية السعودية أوّل بلدان الخليج التي عبّرت عن “تأييدها الكامل للعمليات العسكرية الأميركية على أهداف عسكرية في سوريا”.

وحمّل مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية “واس” النظام السوري “مسؤولية تعرض سوريا لهذه العمليات العسكرية”.

واعتبر البيان أن العملية الأميركية جاءت ردا على “استخدام النظام السوري للأسلحة الكيمائية ضد المدنيين الأبرياء والتي أودت بحياة العشرات بينهم أطفال ونساء، والتي تأتي استمرارا للجرائم البشعة التي يرتكبها هذا النظام منذ سنوات ضد الشعب السوري”.

ومن جهتها رحّبت مملكة البحرين بالهجوم الصاروخي الأميركي على قاعدة الشعيرات السورية، قائلة في بيان صادر عن خارجيتها إنها “تشيد بمضامين كلمة رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب (التي أعقبت الضربة)، والتي تعكس العزم والرغبة في القضاء على الإرهاب بكافة أشكاله”.

وتمثّل كلّ من الإمارات والسعودية والبحرين الأطراف الرئيسية في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، والذي يخوض منذ تشكيله قبل حوالي عامين مواجهة ضدّ المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران أفضت إلى انتزاع مناطق واسعة من سيطرتهم، فيما يوجّه التحالف جهوده العسكرية في الوقت الحالي نحو تحرير محافظة الحديدة الاستراتيجية.

وكشف مسؤول عسكري يمني كبير أن الجيش اليمني والتحالف العربي شرعا في التمهيد لعمليات تحرير محافظة الحديدة وموانئها، عبر استهداف جزيرتي كمران وميون وخوض معارك في وسط مدينة ميدي شمال الحديدة.

ونقلت وسائل إعلام محلّية سعودية عن اللواء ركن سمير الحاج قائد قوات الاحتياط اليمني، الجمعة، قوله “إن الجيش بدأ عملياته في ميدي، والتحضيرات جارية أيضا على تخوم مديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة جنوبا بعد وصول الألوية المكلفة بعملية التحرير”.

وأبدت إدارة الرئيس ترامب انزعاجا من تهديد المتمرّدين للملاحة الدولية قبالة السواحل اليمنية، معتبرة، مثل بلدان الخليج، إيران مسؤولة عن ذلك من خلال دعمها للتمرّد.

ومن هذا المنطلق فإن الولايات المتحدة تمتلك من الدوافع المرتبطة مباشرة بمصالحها للتدخل في اليمن بقدر ما لديها من دوافع للتدخل في سوريا، وربّما أكثر.

ويؤكّد مراقبون أنّ دول الخليج المشاركة في التحالف العربي تمتلك من القدرات العسكرية ما يؤهلّها لحسم سريع للحرب في اليمن، وأنّها لا تطلب بالضرورة دعما عسكريا مباشرا من الولايات المتحدة بقدر ما تحتاج دعمها السياسي وصوتها المسموع في المنظمات الدولية، خصوصا تلك التي تبدي تردّدا وتساهلا تجاه المتمرّدين وصل حدّ التسوية بينهم وبين الحكومة الشرعية.