في الساعة السابعة مساءً، جلس الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره الصيني شي جين بينغ، وزوجتيهما على مأدبة عشاء رسمية في منتجع مارالاغو الذي يملكه ترامب.
 

وكان بين الضيوف الذين تحلَّقوا حول الطاولة، والبالغ عددهم نحو 30، الدائرة الداخلية للإدارة الأميركية الوليدة التي لم تتم يومها الثمانين بعد في الحكم.

كما كانت إيفانكا ابنة ترامب، وصهره غاريد كوشنر من بين الحاضرين، بالإضافة إلى رئيس موظفي البيت الأبيض رينس بريبوس، وكبير الاستراتيجيين ستيفن بانون الذي أُقيل قبل فترة وجيزة من مجلس الأمن القومي.

لم تُعلَن طبيعة المحادثة التي دارت في أثناء العشاء، الذي عُرِض على الضيوف فيه قائمة من الجزر وطبق "نيويورك ستيك" بالجزر مع نبيذ شاردونييه.

وكانت المناقشات المهمة قد جرت بالفعل في جلسات عُقِدت في الغرف الجانبية بالمنتجع الواقع في ولاية فلوريدا، بين الرئيس، ووزير دفاعه جيمس ماتيس، ووزير خارجيته ريكس تيلرسون.

وعُرف أنَّه بعد أقل من ساعتين على بداية العشاء، انطلق 59 صاروخاً من طراز توماهوك باتجاه أحد المطارات السورية، في أول هجوم مباشر على نظام بشار الأسد تقوم به الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا منذ 6 سنوات.

وبعد أقل من 3 ساعات من تناوله العشاء، كان ترامب يقف أمام منصة في غرفة عمليات مؤقَّتة، بدت كأنها من منتجع مارالاغو ذاته.

ووجَّه ترامب حديثه للشعب الأميركي وهو يقف للمرة الأولى كرجلٍ يرزح تحت عبء ثقيل يفرضه الأمر بعملية عسكرية بصفته قائداً عاماً لجيش أعظم قوَّة في العالم.

بدت على ترامب علامات الجدية بما يناسب الحدث، بجبينٍ يعلوه العرق، مستدعياً الرب، والأطفال الرضع، والعدالة الأميركية؛ ليشرح للعالم الهجوم المفاجئ الذي أمر به.

بدأ ترامب حديثه بـ"رفاقي الأميركيين، في يوم الثلاثاء أطلق الديكتاتور السوري بشار الأسد هجوماً شنيعاً بالأسلحة الكيماوية على مدنيين أبرياء، مستخدماً غاز أعصاب مميتاً".

وتابع: "انتزع الأسد (بهجومه) حياة رجال، ونساء، وأطفال أبرياء. لقد كان موتاً بطيئاً ووحشياً للعديد منهم. حتَّى إن الأطفال الرُضَّع الجميلين قُتلوا بقسوةٍ في هذا الهجوم بالغ الوحشية".

وحينها، جاء أول استدعاء للرب في حديث ترامب؛ إذ قال: "لا طفل من أطفال الرب يجب أن يعاني هذا الرعب".

وتابع: "الليلة أمرت بضربة عسكرية موجَّهة"، مُحدقاً في شاشة التلقين التي ظلَّ ملتزماً بالنص المعروض عليها على غير عادته.

وقال ترامب إن الضربة جاءت رداً على "هجوم الأسد الوحشي بالأسلحة الكيماوية على المدنيين الأبرياء".

وأضاف بالنبرة الجادَّة ذاتها: "لا يمكن أن يكون هناك خلاف على أن سوريا استخدمت أسلحة كيماوية محظورة، وانتهكت التزاماتها بموجب اتفاقية الأسلحة الكيماوية، وتجاهلت مطالب مجلس الأمن الدولي".

وفي وقت لاحق من ذاك الخطاب الوجيز، ناشد ترامب الربَّ ليُنعِم عليه بـ"حكمته ونحن نواجه تحدي عالمنا شديد الاضطراب". وتابع حديثه الديني بدعوة إلى الصلاة "لأرواح الجرحى وأرواح أولئك الذين ماتوا".

ثمَّ أنهى ترامب حديثه بطريقته المعهودة: "طابت ليلتكم، وليبارك الرب أميركا والعالم بأسره. شكراً لكم".

لم يشمل خطاب ترامب أي انتقادات شنيعة ضد سلفه، باراك أوباما، مثل تلك التي اتسم بها رد فعله الأوليّ على الهجوم الكيماوي في سوريا. ولكنه أشار إشارةً حاذقة إلى استراتيجية إدارة أوباما الحذرة، حين قال إنَّ "سنوات من المحاولات السابقة لتغيير سلوك الأسد قد فشلت جميعاً، فشلت بشدة".

ومع ذلك، في اللحظة التي ضغط فيها ترامب على الزر العسكري، وانطلقت صواريخ كروز (باتجاه المطار السوري)، انقضت قدرة ترامب على إلقاء اللوم على سلفه أوباما. إنَّها حرب ترامب الآن.

ويُمكن لأي أحد أن يُخمِّن ما فعله الرئيس الصيني، الذي ربَّما كان يشعر بالإطراء بعد استضافته في عشاء رسمي بمنتجع ترامب الفاخر. انسحب موكب وفد الرئيس الصيني من مارالاغو في الساعة الثامنة و51 دقيقة مساءً، أي بعد 6 دقائق من بدء صواريخ توماهوك في ضرب أهدافها.