منذ الإعلان التركي عن إنتهاء عملية "درع الفرات" في شمالسوريا، طرحت العديد من علامات الإستفهام حول توجه أنقرة المستقبلي، لا سيما أنها من أبرز اللاعبين على هذه الساحة منذ إنطلاق الأزمة في العام 2011، لكن هذه الخطوة المفاجئة لم تأت من فراغ بل لها أسبابها الموجبة، وهي أيضاً لا تعني بأي شكل من الأشكال إنتهاء الدور الذي تقوم به.
في الشكل، جاء الإعلان عن التركي عن إنتهاء "درع الفرات" بعد وقت قصير من رعاية أنقرة الإجتماع الذي قاد إلى تشكيل "جيش عشائري"، والذي ضم عدداً من زعماء العشائر العربية في منطقتي الجزيرة وحوض الفرات، تحت عنوان تشكيل جبهة موحّدة لمحاربة الإرهاب، وقبل أيام قليلة من زيارة وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، لكن في المضمون جاء قبل موعد الإستفتاء المقرر على التعديلات الدستورية التي تعطي الرئيسرجب طيب أردوغانصلاحيات أوسع في 16 نيسان الحالي، ومع الحديث عن إمكانية إنطلاق معركة تحريرالرقةفي وقت قريب.
إنطلاقاً من ذلك، تعتبر مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن أنقرة تقصدت الإعلان عن إنتهاء العملية في هذا التوقيت بالذات، كونها تدرك جيداً أن أهدافها الأخرى لم تعد قابلة للتطبيق من الناحية العملية، خصوصاً بعد إرسالالولايات المتحدةالعشرات من جنودها إلى مدينة منبج لحمايتها من أي إعتداء على قوات "سوريا الديمقراطية" المتواجدة فيها، والأمر نفسه قامت بهروسيابالنسبة إلى مدينة عفرين، وتشير إلى أنها أصرت على وصفها بالناجحة لتقديم أوراق إعتمادها إلى كل من موسكو وواشنطن للمشاركة في عمليات أخرى، خصوصاً تحرير الرقة.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن واشنطن كانت تعلم أن وزير الخارجية الأميركية سيحمل معه إلى أنقرة هذا الملف، لا سيما أن بلاده تعتمد بشكل أساسي على قوات "سوريا الديمقراطية" التي تصنفها تركيا منظمة إرهابية، وتوضح أن أردوغان أراد القول لضيفه الأميركي أن القوات المدعومة من قبلها نجحت في تحقيق الإنجاز الأول، وتريد الإنتقال إلى المهمة الثانية، مع العلم أن الرئيس التركي كان يحتاج إلى الإعلان عن مثل هذا الإنتصار لتدعيم نجاح الإستفتاء الداخلي على تعديل نظام الحكم، بعد أن كان تلقى العديد من الضربات المعنوية، أبرزها قطع طريق الرقة العسكري أمام قواته والأزمة المفتوحة في العلاقات الدبلوماسية مع بعض بلدان الإتحاد الأوروبي.
من وجهة نظر هذه المصادر، لم يكن أردوغان قادرا على الذهاب إلى الإستفتاء من دون تقديم أوراق قوّته إلى الرأي العام التركي، خصوصاً بعد تراجع صورة أنقرة القوة العظمى في الآونة الأخيرة، وتشير إلى أنها في الوقت نفسه لا تريد تركيا الإكتفاء بالمنطقة التي تسيطر عليها في الداخلي السوري ضمن مثلث جرابلس الراعي الباب، لا سيما أن كل المعطيات تؤشر إلى أنها تراهن على إطلاق عملية عسكرية جديدة في الأيام المقبلة لا تقل أهمية عن "درع الفرات".
في هذا السياق، توضح المصادر المطلعة أن أنقرة تتطلع إلى المشاركة، من خلال الجيش العشائري الذي أعلن عنه مؤخراً، بالتعاون مع التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في عملية تحرير الرقة، بهدف منع الإعتماد على الأكراد وتقديم البديل العملي، وتلفت إلى أنها تراهن على أن يكون ذلك عبر مدينة تل أبيض الحدودية التي تسيطر عليها "سوريا الديمقراطية"، وتضيف: "هذا الأمر لا يمكن أن يتم من دون التنسيق مع الولايات المتحدة وموافقتها التي بدورها ستطلب من الأكراد التعاون".
وتشير هذه المصادر إلى أن هذا الأمر كان واضحاً من خلال كلام رئيس الوزراء بن علي يلدرم، الذي لم يستبعد شن حملات عسكرية جديدة داخل سوريا لكن تحت اسم مختلف، وترى أن مثل هذه الخطوة قد يتم الإعلان عنها بعد الإنتهاء من الإستحقاق الداخلي، وتضيف: "أنقرة تراهن على أن واشنطن لن تتخلى عنها لإرضاء الأكراد".
في المحصلة، قررت تركيا الإعلان عن إنتهاء هذه العملية بـ"نجاح" في هذا الوقت لأسباب عدة، محلية وخارجية، لكن الأكيد أنها لم تحقق كامل الأهداف التي وضعتها لدى إنطلاقها، فهل تشارك أو تطلق عمليات جديدة؟.