طريق التقارب بين السعودية والعراق لن تكون ممهدة رغم التجاوب الواضح من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع اليد السعودية الممدودة نحو بلاده، وذلك بفعل وجود قوى سياسية عراقية معروفة بموالاتها الشديدة لإيران واعتبارها أنّ أي تقارب بين بغداد والرياض لا يمكن أن يتم إلاّ على حساب طهران.
 

تعم الأوساط السياسية الشيعية العراقية الأكثر تشدّدا، والأشد ارتباطا بإيران موجة من القلق من خطوات التقارب المتسارعة بين العراق والسعودية، مخافة أن تتمّ على حساب النفوذ الإيراني في البلد.

ومع الانفراجة الكبيرة في العلاقات السعودية العراقية التي انطلقت مع زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الأخيرة إلى بغداد وتُوجت بلقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الأسبوع الماضي برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في العاصمة الأردنية عمّان على هامش القمّة العربية التي انعقدت هناك، لاحت معالم حملة شرسة دشنتها جهات عراقية معروفة بموالاتها لإيران، فيما أكّدت مصادر عراقية تصميم البعض من كبار قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية على تصعيد تلك الحملة لمنع عودة العلاقات السعودية العراقية إلى طبيعتها.

ويقول محلّلون سياسيون إنّ الخطوات التي بادرت بها الرياض تجاه بغداد جزء من برنامج شامل ذي طبيعة استراتيجية شرع صنّاع القرار في السعودية في تنفيذه، ويتمثّل في محاصرة النفوذ الإيراني في العراق عبر ملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب العربي من ساحته، وتمتين العلاقات معه والمساهمة في إعادة تنشيط اقتصاده عبر التعاون معه في المجالات الاستمارية والتجارية، وصولا إلى المشاركة بفعالية في إعادة إعماره حيث سيكون البلد شبه المدمّر جراء الحروب التي شهدها إلى مبالغ طائلة لا تملك طهران توفيرها له، فيما البلدان العربية الغنية وعلى رأسها السعودية تمتلك من القدرات ما يؤهّلها للعب الدور الأبرز في إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الـحرب على تنظيم داعـش.

وبدأ البلدان يتّجهان من مرحلة التهدئة والقطع مع الخطاب السياسي والإعلامي الحاد الذي أفضى إلى سحب الرياض لسفيرها ثامر السبهان من بغداد صيف 2016 وتقليص تمثيلها الدبلوماسي هناك، نحو الدخول في مناقشة التفاصيل العملية لتحسين العلاقات وترجمة ذلك إلى تعاون في عدّة مجالات تشمل الجانب الأمني وتتجاوزه إلى عملية إعادة إعمار المناطق العراقية المدمّرة بفعل الحرب ضدّ تنظيم داعش وهي القضيّة المطروحة بقوّة في الوقت الراهن مع اقتراب تلك الحرب من نهايتها.

وستكون عملية إعادة الإعمار وتنشيط الدورة الاقتصادية في المناطق المتضرّرة من الحرب جزءا أساسيا مكمّلا للجهد العسكري في بسط الأمن والاستقرار، لكن العراق المنهك اقتصاديا وماليا جرّاء تراجع أسعار النفط واستشراء الفساد وثقل فاتورة الحرب، سيصطدم بقلّة الإمكانيات الضرورية لذلك، ما يجعل الأنظار تتجه إلى دول غنية مثل السعودية للمساهمة بفعالية في إعادة إعمار البلد، الأمر الذي سيكون أفضل بوابة لإرساء علاقة بين البلدين تقوم على المصالح المشتركة.

وسيمثّل ذلك فرصة لإعادة ربط العراق بالدول العربية بعد فترة من ارتباطه الكبير بإيران عن طريق الطبقة السياسية الممسكة بمقاليد الحكم في بغداد.

وأكدت وزارة الخارجية العراقية في وقت سابق وجود رغبة لدى السعودية في المساهمة في إعادة الإعمار والاستقرار للمناطق المحررة من التنظيم، فيما أشارت الى أن الحكومة العراقية ستضع دراسة كاملة لإنشاء مشروع المجلس التنسيقي بين البلدين الذي اقترحت تشكيله المملكة.

ويقول مراقبون إنّ لحظة التحرّك السعودي صوب العراق، وتوجّه الرياض نحو تحسين العلاقات مع بغداد تمّ اختيارها بعناية، مع اقتراب الحرب على داعش من نهايتها والتوجّه نحو بدء مرحلة عراقية جديدة لا ترغب المملكة في أن تغيب عن وضع ترتيباتها ما سيفسح المجال مجدّدا لغريمتها إيران لمزيد توطيد نفوذها في البلد.

وتعوّل الرياض في تقاربها مع بغداد على ما تلمسه من تجاوب من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي يبدو أكثر براغماتية من الكثير من القادة السياسيين العراقيين العقائديين الشيعة.

وبدأ العبادي ينحت لنفسه صورة رجل الوفاق والمصالحة داخليا وخارجيا الأمر الذي يجعله مقبولا من قوى إقليمية وأيضا دولية، وتحديدا الولايات المتحدة التي رفعت من سقف التواصل معه من قبل كبار المسؤولين في إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب.

وأغضب العبادي مؤخّرا أعداء السعودية في بلاده حينما حرص على نفي التهم التي تكال للمملكة جزافا بدعم الإرهاب وبالمسؤولية عن حالة عدم الاستقرار في العراق، معتبرا ذلك مجرّد انطباعات.

وقال العبادي في تصريحات تلفزيونية ّإنّ “هناك انطباعا لدى السعودية بأن العراق يتبع إيران، وهناك انطباع لدى عامة الشعب العراقي بأن السعودية تدعم الإرهاب، والانطباعان خاطئان”.

وبشكل فوري تحرّكت آلة الدعاية الإيرانية داخل العراق للردّ على تبرئة العبادي للسعودية من تهمة الإرهاب.

ووصفت لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان العراقي، الأحد، تصريح رئيس الوزراء بشأن نفي دعم السعودية للإرهاب بـ”غير المقبول”. وجاء ذلك على لسان عضو اللجنة رزاق الحيدري في تصريح صحافي قال فيه إنّ “الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء قد كذب هذه التصريحات”.

وينتمي النائب الحيدري إلى منظّمة بدر التي يقودها هادي العامري الذي يمتلك نفوذا عسكريا كبيرا من خلال قيادته لإحدى أقوى الميليشيات المسلّحة في العراق، وهو معروف بولائه الشديد لإيران التي حارب إلى جانبها ضدّ بلاده خلال حرب الثماني سنوات.

والحزب المقصود بكلام النائب هو حزب الدعوة الإسلامية الذي يقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يوصف بأنه متشدّد طائفيا، وبأنّه مسؤول لدى توليه رئاسة الحكومة لفترتين متتاليتين على إفساد علاقة العراق بمحيطه العربي.

غير أنّ الحزب لم يعد موحّدا في مواقفه بشأن عدّة قضايا بما في ذلك موضوع العلاقة مع بلدان الجوار. وبدا أنّ حيدر العبادي يقود جناحا داخله يرفع لواء محاربة الفساد وترميم هيبة الدولة داخليا، وتأسيس علاقات متوازنة مع دول الجوار وعلى رأسها إيران والسعودية، خارجيا.