قاربَت سنوات الأسر على الثلاث، ولا تزال أمّهات العسكريين المخطوفين لدى «داعش» ينتظرن أيَّ خبر أو معلومة تحمل إليهنّ بشائرَ السعادة وتقول لقد أطلِقَ سراحُهم. لا شيء تبَقّى للأمّهات سوى الصورة التي يحتضِنَّها ويَبكين ثمّ يناجينَ ساكن المغارة لعلّه يسمع النجوى، ويتحقّق الأمل باليوم الموعود.في بلدة فنيدق العكارية التي فَقدت شهيدها الرقيب علي السيّد، لم يُطوَ بعد ملف العسكريين المخطوفين، إذ لا يزال اثنان من أبنائها أسرى لدى «داعش»، وهما الجنديّان خالد مقبل حسن وحسين محمود عمار.

في منزل الجندي حسين محمود عمار، كلّ شيء حزين والجميع يَعيش على الأمل وينتظر العودة. لحظة دخولك ذلك البيت في بلدة فنيدق في أعالي جرد عكار، تَقع عيناك على صورة كبيرة علّقتها الحاجّة آمنة، لابنِها حسين، على الحائط، وهي تَجمع الوالدةَ والأخ مع رفيق الأَسر والسلاح وابن البلدة خالد مقبل حسن، وقد أخِذت خلال الزيارة الأولى والأخيرة، حتى اللحظة، التي جَمعت العائلة بابنِها منذ لحظة اختطافه.

المرارة واللوعة

تقول الوالدة التي تعيش مرارةَ اللوعة والانتظار على أمل لحظةِ اللقاء: «الألم بداخلي كبير واللوعة أكبر، ومهما قلتُ لا يمكنني وصفُ ما في داخلي من ألمٍ على فراق حسين. زرنا أخيراً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووَعدنا خيراً، كما زرنا قائد الجيش العماد جوزف عون ورئيس الحكومة سعد الحريري في الإطار نفسه».

وتضيف: «اللواء عبّاس ابراهيم وخلال لقائنا معه أبلغَنا أنّ هناك وسيطاً جدّياً. لقد مرّت 5 أشهر على هذا الحديث ولم نَعلم أيّ شيء بعدها وأين أصبحت المفاوضات».

وتعود بالذاكرة إلى اللقاء الذي جَمعها بولدها في جرود عرسال: «وجدتُه في حال صعبة جداً، ماذا أقول وماذا أصف، لا مأكل ولا ملبس ولا شيء يُذكر. ولدي وجميع الجنود المخطوفين هم أبناء الدولة وقد خطِفوا وهم يحاولون الدفاع عن دولتهم، وهذه الدولة لن تكتمل هيبتها إلّا بعودتهم إلى ديارهم».

وعن التحرّكات وخيمةِ الاعتصام، تقول: «لقد أوقفنا تحرّكاتنا على الأرض والتزَمنا خيمة الاعتصام بناءً على وعود أعطيَت لنا بأنّ الملف يعالَج بكلّ جدّية وستكون هناك نتائج ملموسة قريباً. لكنّ الوقت يمرّ، ونحن الذين نعيش المرارةَ والحرقة، نطالب بإعادة العمل في هذا الملف بوتيرة أسرع، ولن نقبل بعد بالمماطلة، وإلّا فسنعود إلى الشارع والتصعيد، لأنّ النار لا تكوي إلّا صاحبَها».

خالد مقبل حسن

والدة الجندي خالد مقبل حسن ليست في حال أفضل. هي الأخرى رأت ولدَها مرّة واحدة والسلام. تقول: «لا أحد يُطمئننا ولا أولادنا يمكنهم الاتّصال بنا. وضعُنا مأسوي جداً، فأولادنا هم أبناء الدولة، هم أسرى الدولة اللبنانية، التي عليها أن تجد الطريقة لاستعادتهم مِن الأسر».
وعن اللقاء الذي حصَل في جرود عرسال، تقول: «لمّا رأيت إبني لم أعرفه لولا أنّه هو الذي صرخ «أمّي، أمّي».

كلّ شيء فيهم تغيَّر وصحّتُهم لم تكن على ما يرام. أنا وضعي يختلف عن الباقين، فإبني يتيم وهو وحيدي ومِن بعده أصبَح البيت فارغاً ليس فيه أحد. لا زلتُ أعيش في هذا البيت على أملٍ بعودة خالد».

وتضيف دامعةً والكلام يتلعثم بين شفتيها: «نطالب رئيس الجمهورية ورئيسَي الحكومة ومجلس النواب وجميعَ المعنيين بهذا الملف الإيفاءَ بوعودهم تجاهنا: نِحنا بدنا ولادنا... ولادنا غاليين علينا».

لإنهاء مأساة فنَيدق

من جهته، يدعو مختار فنيدق علي بدر اسماعيل الدولةَ اللبنانية «لإيلاء هذا الملف الإنساني الاهتمامَ الأكبر وإنهاء مأساة فنيدق بتحرير أسيرَيها خالد مقبل حسن وحسين محمود عمار، إذ يكفي هذه البلدة ما دفعَته من تضحية في استشهاد الرقيب علي السيّد».

في الختام، جملة واحدة تختصر حالَ أمّهات الجنود المخطوفين لدى «داعش»: يَعشنَ على أمل اللقاء. أمّا دعاؤهنَّ فواحد: «ألله يفكّ أسرَك يا بنيّي».