تحولت محادثات جنيف حول الأزمة السورية إلى مجرد عملية لتبادل وجهات النظر مع الوسيط الأممي ستيفان دي ميستورا، وسط قناعة سائدة لدى أطراف النزاع بأن جنيف ليست إلا محطة لتقطيع الوقت بانتظار تفاهمات الجانبين الروسي والأميركي.
 

يجمع طرفا النزاع السوري بأن جولة المفاوضات الراهنة في جنيف أشبه بـ“لعب في الوقت الضائع” بانتظار حصول تفاهمات دولية، وسط ترجيحات من البعض أن يتم ذلك بعد انتهاء معركة الرقة.

وتركز الولايات المتحدة جهودها اليوم على طرد تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة الرقة معقله الأساس في سوريا.

وأرسلت إدارة الرئيس دونالد ترامب في الأسابيع الأخيرة جملة من الإشارات حول موقفها من العملية السياسية في سوريا، بيد أن ذلك لا يمكن البناء عليه، باعتبار أن هناك لاعبا رئيسيا لا يمكن تجاوزه وهو روسيا، وهناك حاجة إلى عقد تفاهمات بينهما لإنهاء الأزمة، وفق محللين.

وبعد نحو أسبوع من انطلاق جولة المفاوضات الخامسة في جنيف، يقتصر التقدم الذي يحرزه المتفاوضون على مضمون النقاش مع الأمم المتحدة حول جدول الأعمال المؤلف من أربعة عناوين رئيسية هي الحكم والانتخابات والدستور ومكافحة الإرهاب.

ويتبادل طرفا النزاع الاتهامات بعدم إظهار الجدية اللازمة لإحراز تقدم في العملية السياسية، رغم قناعتهما بصعوبة تحقيق أي اختراق حقيقي.

ويقول عضو مفاوض في وفد الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة السورية رافضا الكشف عن اسمه “المحادثات أشبه بلعب في الوقت الضائع ويدرك الطرفان أن الجولة الحالية ستنتهي كما بدأت، لكن أحدا لا يريد حزم حقائبه والمغادرة، وبالتالي تحمل تبعات انهيار المفاوضات”.

في المقابل، يصف مصدر سوري مواكب للوفد الحكومي ما يجري في جنيف بـ“عض على الأصابع”، لكنه يشدد على أن “خيار الدولة السورية هو الاستمرار في المشاركة في مسار جنيف”.

ورغم دخول النقاشات في عمق جدول الأعمال، لكن الطرفين يعتبران أنه في غياب مفاوضات مباشرة، تبقى هذه المحادثات أشبه بتبادل وجهات نظر مع المبعوث الدولي الخاص ستيفان دي ميستورا.

ويقول رئيس تحرير صحيفة “الوطن” السورية القريبة من النظام وضاح عبدربه في جنيف “ما يحصل هنا لا يؤسس لأي شيء من أجل مستقبل سوريا. كل ما يتم إنجازه عبارة عن تبادل أوراق مع الأمم المتحدة، وللأسف المحادثات حتى الآن فارغة من أي مضمون”.

ويضيف “جدول الأعمال الذي أقر في الجولة الماضية يحتاج إلى أشهر وأشهر من التفاوض”، منتقدا وفد المعارضة الذي يعتبر أن “وجوده في جنيف هو فقط لاستلام السلطة في سوريا وكأن بشار الجعفري يحمل معه مفاتيح سيسلمه أياها قبل أن يغادر”.

وترى المعارضة من جهتها أن التقدم في المباحثات لا يسري على العملية السياسية بحد ذاتها التي لا تزال متوقفة. ويقول الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط “ما يجري حاليا هو تهيئة للحل وليس حلا”، مضيفا “ننتظر أن يكون للدول صاحبة القرار دور هنا، لأن حسم النزاع في سوريا يحتاج إلى جهود دولية، ولا بد من أن تتحمل واشنطن مسؤولياتها”.

ولا يتوقع الكثير من مفاوضات جنيف قبل أن ترسم واشنطن ملامح سياستها إزاء الملف السوري من ضمن الاستراتيجية التي تعمل عليها لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.

والأربعاء قالت نيكي هايلي سفيرة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة إن الرئيس بشار الأسد “عقبة كبيرة في محاولة المضي قدما” لإيجاد حل للصراع المستمر منذ سبع سنوات.

وأضافت أمام مجلس العلاقات الخارجية “لن أعود للحديث عما إذا كان يجب على الأسد أن يبقى أو يرحل. لكنني سأقول لكم إنه عقبة كبيرة في محاولة المضي قدما وإيران عقبة كبيرة في محاولة التحرك إلى الأمام”.

تصريحات هايلي اعتبره مراقبون أنها لا تعني إغلاق الباب نهائيا أمام إمكانية قبول الأسد في الفترة الانتقالية، لافتين إلى أنها قد تأتي في إطار رفع سقف مطالب واشنطن عند انطلاق المباحثات مع موسكو حول الخطوات الفعلية التي يجب اتخاذها لحل الأزمة.

ويقول الأستاذ الجامعي ومدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية في باريس كريم بيطار “بانتظار أن تتضح معالم التسوية المؤقتة بين روسيا والولايات المتحدة، لا يمكن توقع تحقيق اختراق كبير في جنيف”.

ويرجح العميد الركن مصطفى الشيخ في تصريحات لـ“العرب” أن انطلاق قطار التسوية الفعلية في سوريا سيكون بعد معركة الرقة التي تحتل صدارة أوليات واشنطن اليوم.

ويؤكد أن “محادثات جنيف ليست سوى تمرير للوقت إلى ما بعد تحرير الرقة، وهي فقط للدلالة على بقاء سير العملية السياسية”.