سادت حالة من الذعر وسط الأهالي في الرقة شمال سوريا، وهم يحاولون الفرار من المدينة، بعد يوم من تحذير تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، من انهيار وشيك لسد الفرات، بسبب الضربات الجوية التي نفذتها قوات التحالف.
 

وذكرت صحيفة "ذا وول ستريت جورنال"، أن صوراً ولقطات بثّها ناشطون على الإنترنت، أظهرت أعداداً كبيرة من سكان الرقة، يغادرون المدينة بسياراتهم مسرعين، ما تسبب بوقوع حوادث سير.

وذكر أحد أهالي المدينة أن "الناس في الشوارع يركضون ويصرخون".

مشهد الفوضى الذي ساد المدينة بعد التحذيرات التي أطلقها التنظيم عبر تطبيق تيليغرام، كان متناقضا تماما مع النظام الصارم الذي فرضه داعش على المدينة التي تم عزلها عن العالم الخارجي خلال السنوات القليلة الماضية.

وتوجه مسلحو داعش إلى سكان الرقة عبر مكبرات الصوت تحذرهم من انهيار السد، وحث بعض مسؤولو التنظيم الأّالي على الفرار، إلا أن هذه التحذيرات تراجعت في وقت لاحق ونصحهم مسؤولون آخرون بالبقاء وعدم الخروج، الأمر الذي يعكس ارتباكا لا يظهر عادة في صفوف الدولة الإسلامية.

ويذكر أن التنظيم عادة ما يلجأ إلى إبقاء المدنيين في المناطق التي يسيطرون عليها ليكونوا بمثابة دروع بشرية في المعارك التي يخوضها.

وقال ناشط سوري لصحيفة ذا وول ستريت جورنال، إن تنظيم الدولة يحاول من خلال هذه الدعوات، أن ينقل بعض قادته أو عائلاته من الرقة، ضمن حالة النزوح المدني التي تشهدها المدينة.

ما هو سد الفرات (الطبقة)؟

يقع سد الفرات الذي يعدّ أكبر السدود في سوريا، بالقرب من مدينة الثورة، ويبعد عن الرقة بحدود 50 كيلومترا.

ويبلغ طوله أربعة كيلومترات ونصف الكليومتر، بارتفاع يتجاوز الستين متراً.

وتتشكل خلف السد بحيرة كبيرة بطول 80 كلم، وبعرض 8 كليومترات، وتحتجز كمية مياه تبلغ 14 ألف مليار متر مكعب.

ويعود بناء السد إلى عام 1968.

ويستفاد من مياه سد الفرات في المشاريع الزراعية الكبيرة في المنطقة، بالإضافة إلى توليد الكهرباء عبر محطات التوليد الكهرومائية.

ماذا يعني انهيار السدّ ؟

الحديث عن انهيار السدّ، قضية بالغة الأهمية، إذ تضع حياة أكثر من 3 ملايين شخص في دائرة الخطر، ناهيك عن التهديد بغرق معظم مناطق جنوب شرق سوريا.

وبحسب ناشطين، فإن انهيار السدّ يعني غرق مدينة الرقة بالكامل بارتفاع مياه تصل نحو 16 مترا، ومدينة دير الزور والبوكمال أيضا بارتفاع 4 أمتار.

ومع ارتفاع منسوب المياه في السد قد تغمر مياه الفرات، إن تدفقت، قطاعات ضخمة من الأراضي الزراعية على طول النهر، وقد يؤدي الى كارثة إنسانية كبيرة عند مصب النهر.

كما سيتسبب انهياره بطمس جميع المعالم الأثرية الواقعة بين مدينة الرقة والحدود العراقية التي يتجاوز عمر بعضها آلاف السنين قبل الميلاد، وأهمها حلبية وزلبية وتل الحريري والصالحية.

على من تقع اللائمة؟

وكان تقرير للأمم المتحدة قد حذر في وقت سابق أن السد بات على وشك الانهيار، مشيرا إلى أن السد يعاني من ضغط هائل مع ارتفاع منسوب المياه التي يختزنها وكادت تطغى عليه.

وأرجع التقرير السبب في إمكانية الانهيار الوشيك إلى أعمال التخريب المتعمد من قبل "داعش" وغياب أعمال الصيانة الضرورية، بالإضافة إلى غارات التحالف الدولي والاشتباكات بالمنطقة المذكورة.

وفي شباط الماضي، أفاد تقرير للأمم المتحدة، أن منسوب مياه النهر ارتفع حوالي عشرة أمتار منذ 24 كانون الثاني لأسباب من بينها سقوط الأمطار الغزيرة والثلوج الكثيفة.

وذكر التقرير أن أضرارا لحقت بالفعل بمدخل السد نتيجة الضربات الجوية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن ضربات جوية على ريف الرقة الغربي في 16 كانون الثاني 2017 أضرت بمدخل السد.

ما مدى جدية مخاوف انهيار السد؟

يؤكد مختصون أن الخوف على السد اليوم ينحصر في الأسباب التقنية والميكانيكية، وليس بقدرة السد على التحمل، باعتبار أن السد متين وراسخ وذو قدرة على تحمل بعض الضربات المعقولة على جسمه.

ونقلت "ذا وول ستريت جورنال" عن الكولونيل جوزيف سكروكا المتحدث باسم الجيش الأمريكي، ضمن التحالف الذي تقوده واشنطن، قوله إن القوات تتقدم في مدينة الطبقة ومطارها وسدّها فى محاولة لعزل الرقة القريبة، معتبراً إنهم يتخذون "كل الاحتياطات للحفاظ على سلامة السد".

وقال أن تقييماتهم تستبعد "أي خطر وشيك ما لم يخطط داعش لتدميره".

وكان تقرير سابق ذكر أن تنظيم داعش زرع ألغاما في محطات ضخ المياه على نهر الفرات مما يعيق ضخ المياه.

لكن وكالة أعماق في بيانها الذي نشرته أمس، قالت أن بوابات تصريف السد أغلقت بعد انقطاع التغذية الذاتية من التيار الكهربائي، مما أدى إلى توقف جميع تجهيزات وأقسام السد عن العمل بشكل كامل، مشيرة إلى صعوبة وصول فرق الصيانة إلى جسد السد ومبانيه بسبب كثافة القصف الجوي والمدفعي واحتدام المعارك في مدخل السد.

في المقابل، نفى طلال سلو الناطق الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية، أن يكون القصف الجوي أو المدفعي الذي تشنه القوات الكردية والتحالف الدولي، قد استهدف جسم السد أو محيطه.

وأشار سلو إلى أنه لتجنب هذا القصف تم تنفيذ عملية إنزال في وقت سابق بالتعاون مع قوات التحالف الدولي لنقل المعارك إلى السد عبر الاشتباك المباشر بين مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم الدولة.

يذكر أن محيط السد من الجهة الشمالية يشهد اشتباكات عنيفة منذ أيام بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم الدولة الإسلامية، وذلك في مسعى من القوات الكردية والأميركية لبسط السيطرة على سد الفرات، ثم مدينة الطبقة، من أجل نقل المعارك لاحقا إلى الجزء الغربي من مدينة الرقة التي تعد أبرز معاقل تنظيم الدولة في سوريا.

(هافينغتون بوست)