"سر يا تيمور رافع الرأس، واحمل تراث جدك الكبير كمال". بهذه العبارة كرّس رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط، انتقال زعامة طائفة الموحدين الدروز في لبنان إلى ابنه البكر تيمور. وهو الشاب الثلاثيني الطويل الذي قادته سيرته الذاتية لتولي الزعامة التقليدية لمرجعية "دار المختارة"، المقر التاريخي لآل جنبلاط بمحافظة جبل لبنان، وتولي قيادة "الحزب التقدمي الاشتراكي" خلفاً لوالده، وجدّه "المعلم كمال" الذي أسس الحزب. وكان النائب جنبلاط، تسلم زعامة عائلته السياسية إثر اغتيال والده عام 1977 رمياً بالرصاص خلال انتقاله من المختارة إلى العاصمة بيروت. ويتهم جنبلاط النظام السوري باغتيال الجد المؤسس.
ساهم جنبلاط الوالد في رسم معالم الحياة العامة لنجله تيمور منذ نقل مسؤولية الاستقبالات الشعبية في قصر المختارة إليه قبل عامين، وصولاً إلى نقل الزعامة المُتمثلة بالكوفية العربية التي خلعها وليد وألبسها لتيمور يوم الأحد الماضي. ولم يخلُ التسلم والتسليم من دلالات بارزة تمثلت في حضور رئيس الحكومة سعد الحريري للذكرى الأربعين لاغتيال كمال جنبلاط، إلى جانب عدد كبير من ممثلي الأحزاب السياسية التقليدية في لبنان، وممثلي الفصائل الفلسطينية أيضاً. وهو ما يطبع مسيرة السياسي الشاب بوقوف القوى السياسية إلى جانبه، في مشهد بدا أقرب للتوريث العائلي منه إلى إحياء ذكرى سياسية. وهو ما يعتبره تيمور "حدثاً عادياً في ديموقراطية ليست مثالية".
"
يجمع تيمور جنبلاط بين النشاطات السياسية الحزبية وبين إدارة جزء من ثروة العائلة

"
وعبّر السياسي الوريث عن تبنٍّ واضحٍ لمفردات العمل السياسي في لبنان القائم على الزعامات العائلية/الحزبية، في أولى مقابلاته الصحافية التي أجراها قبل شهر، وردّ فيها على منتقدي التوريث "لأننا كلنا بيتنا من زجاج". وفي داخل البيت الدرزي الزجاجي، على حد وصف جنبلاط الحفيد، وجد الشاب بيئة حاضنة حزبياً وسياسياً. وبات أعضاء الكتلتين الوزارية والنيابية لـ"الحزب التقدمي" يقفون إلى جانب تيمور في اللقاءات السياسية ويسيرون معه خلال الجولات الشعبية. ورغم أن المناصب القيادية في الحزب تتوزع على عدد واسع من الأعضاء المُنتمين لمُختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية، يبدو أن الجميع مُقتنع بالربط القائم بين زعامة آل جنبلاط في المختارة وقيادة رأس الهرم الحزبي الاشتراكي.

حوّل ذلك التمنّع الذي عبّر عنه تيمور عن ممارسة العمل السياسي نحو "قبول المسؤولية"، كما منحته اللقاءات الرسمية التي حضرها إلى جانب والده منذ عام 2013 وحتى اليوم مساحة تواصل مريحة مع قيادات الصف الأول والثاني في الأحزاب اللبنانية. وخارجياً أيضاً، جال الشاب مع والده في الدول العربية والتقى رؤساء وأمراء. ولم تقتصر زياراته الخارجية على الزيارات الرسمية لوالده، بل تعدتها إلى زيارات التنسيق التي رافق فيها الوزيرين السابقين غازي العريضي ووائل أبو فاعور إلى السعودية والأردن.

 

تيمور حاصل على شهادة ماجستير في "العلاقات الدولية ودراسات الأمن" من جامعة "Sciences Po" الفرنسية، بعد دراسة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت. وتتلاقى المشهدية التي يرسمها مجايلو تيمور في الجامعة، مع صورة طلاب آل جنبلاط، لتشابه ملبس الأب بالابن خلال فترة الدراسة. كما تميزت حياتهما الجامعية بالبساطة وغابت عنها مشاهد المواكب المُسلحة التي عادت ما ترافق أبناء المسؤولين الرسميين والحزبيين إلى مداخل جامعاتهم. وقدّس تيمور حياته الشخصية التي قضاها بهدوء في لبنان وفي فرنسا التي أجبره والده على الإقامة فيها لسنوات طويلة بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، قبل أن يعود كمشروع زعامة طائفية لبنانية.
"
قدّس تيمور حياته الشخصية التي قضاها بهدوء في لبنان وفي فرنسا

"
وكأي زعيم لبناني يجمع تيمور جنبلاط بين النشاطات السياسية الحزبية وبين إدارة جزء من ثروة العائلة، وقد تدرج في إدارة "معمل سبلين" للأتربة والإسمنت الذي أسسه والده من موظف عادي إلى عضو مجلس إدارة. وقال السياسي الشاب في أكثر من لقاء شعبي إنه وعائلته "ملتزمون بالبيئة وبصحة أهالي المنطقة، وقد قمنا بتركيب كافة أجهزة تصفية الهواء اللازمة لحماية الأهالي من أي تلوث".

وهو ما ينفيه الأهالي، لكن حجم التأييد الشعبي لآل جنبلاط في المنطقة تجاوز صرخات المُعترضين. ويحجز تيمور منصباً رفيعاً في شركة "نت غاز" التي تشكل جزءاً من تحالف مستوردي النفط اللبنانيين، كما أبدى أخيراً اهتماماً بمجال إدارة النفايات الصلبة وهو على تعاون مع صديقه المهندس رياض الأسعد، لتأسيس شركة مُتخصصة في هذا المجال. ويشرف تيمور على أعمال "مؤسسة وليد جنبلاط للدراسات الجامعية" من موقعه كنائب للرئيس فيها، وسبق له أن خضع لدورات إعلامية في "دار النهار" خلال تولي رئيس تحرير صحيفة النهار الأسبق جبران تويني للإدارة قبل اغتياله عام 2005. وينقل مشاركون في الدورات ثناء المدربين اللبنانيين والأجانب على أداء تيمور وسرعة بديهته. ويحافظ جنبلاط الحفيد على مساحة خاصة لعائلته الصغيرة المؤلفة من زوجته وابن وابنة، علماً أنه تزوج مدنياً في تركيا. ولن يكون الموقع النيابي بعيداً عن متناول جنبلاط الحفيد ليكتمل بذلك انتقال الإرث السياسي من وليد جنبلاط إلى إبنه تيمور. وإذا استمر المنوال السياسي اللبناني على حاله فسيُحيي الحاضرون في قصر المختارة ابن تيمور، كمال، كزعيم جديد بعد عقود قليلة.
 

عبد الرحمن عرابي