ما تزال معركةُ الإنتخابات النيابية في البترون تأخذ الحيّز الأكبر من الاهتمام وتسرق الأضواءَ من كلّ معارك لبنان لأنّ الأيام المقبلة ستكشف مزيداً من الأمور المستورة.
 

عبارةٌ واحدة أطلقها رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع خلال إعلانه ترشيحَ الدكتور فادي سعد أمس الأول في البترون، كانت كفيلةً بإشعال منطقة البترون ومعها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، إذ قال جعجع بما معناه: نحن القاطرة في البترون ولسنا «المقطورة» وقد رشّحنا سعد من وسط البترون ولم نرشّح وليد حرب من تنورين لكي لا نغلق الجرد، فإذا رشّحنا وليد، لا يمكن أن تكون هناك لائحة تضمّ وليد والنائب بطرس حرب، فيما سعد هو من الوسط وبإمكانه أن ينزل بتحالفاته نزولاً نحو الساحل أو يصعد صعوداً نحو الجرد، وبالتالي لا نريد أن نغلق احتمالَ التحالف مع أحد من الجرد أمامنا.

وصلت هذه الجملة الشهيرة الى مسامع باسيل والعونيين، فاشتعلت المنطقةُ من جديد بين «القوات» و«التيار الوطني الحر»، فاعتبر البعض أنّ جعجع أوصل رسالةً شديدة اللهجة الى باسيل مفادها «أننا نمسكك باليد التي توجعك»، فالنائب حرب اختلفنا معه بالأمور التكتيكية، لكنه يبقى حليفنا في «14 آذار» وبإمكاننا الاتفاق معه في أيّ لحظة خصوصاً أنّ القواعد الشعبية مشترَكة بيننا، وليس هناك خلاف على النظرة الى المسائل الكبرى والمشروع السياسي ولا عداوة معه.

وفي المعلومات أيضاً أنّ كلام جعجع استدعى استنفاراً عاماً على صعيد قيادة «التيار الوطني الحر» في البترون طوال ليل الخميس- الجمعة، وعُقد إجتماعٌ برئاسة باسيل الذي حاول تهدئة النفوس العونية المشحونة لكي لا ينفجر الوضع أكثر ويصل الى مرحلة اللاعودة، خصوصاً أنّ إنفراط عقد التحالف بين «القوات» و«التيار» في البترون سيؤدي الى انفراط التحالف في كل لبنان وهذا أمر له تداعياته على المستويات كافة، وقد يخسر العهد الغطاءَ المسيحي الذي أمّنته «القوات» له.

وفي الإجتماع أيضاً هدّد بعض المسؤولين في «التيار» من تنورين بالاستقالة قائلين لباسيل: «أنت وعدتنا بعدم تغييب تنورين والجرد عن اللائحة، وهذه سابقة خطيرة خصوصاً مع ارتفاع وتيرة ردات الفعل التنورية، ونيّة بعض الشخصيات والعائلات التي كانت تاريخياً ضد النائب حرب الى تأييده».

ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل تحدّثت معلومات عن أنّ العونيين في تنورين والجرد، أبلغوا باسيل أنهم لن يصوّتوا للائحة تحالف «القوّات» و«التيار» إذا لم يكن هناك مرشّحٌ من تنورين، كذلك لن يصوّتوا لباسيل شخصياً.

وفي السياق، تُطرح جملة تساؤلات عن استعجال جعجع تسمية مرشحه للانتخابات في البترون وإعلانه لمفرده وليس ضمن سياق إعلان مرشحي «القوات» في كل لبنان، في حين لفت البعض الى أنّ «جعجع قد يكون اتخذ هذه الخطوة بعد كلام باسيل السبت الماضي في عشاء تنورين الذي قال «إننا لن نقبل بتغييب تنورين والجرد»، ما إعتُبر تدخّلاً بشؤون «القوات» ومحاولة فرض مرشّح، فدعى جعجع كوادرَ الحزب ليل الأحد الماضي وقرّر ترشيح سعد بدلاً من وليد حرب».

من جهتها، تستغرب مصادر «التيار الوطني الحرّ» في البترون هذا الأمر، وتقول لـ«الجمهورية» إنّ باسيل لم يهدف الى إستفزاز «القوات» بل تكلم اللغة المنطقية والعملية، والدليل أنّ ترشيح سعد أدّى الى ردة فعل تنورية عارمة من كوادر «التيار» و«القوات» على حدٍّ سواء، كذلك استنفرت بقية العائلات ضدّ تغييب الجرد».

وتجزم المصادر: «إذا كان جعجع يريد أن «يمسكنا في اليد التي توجعنا» كما يردّد البعض، فنحن لا أحد يستطيع مسكنا أو إبتزازنا، فإما يكون التحالف بين «القوات» و»التيار» في كل لبنان وإلّا لا يكون، ولا يطننّ أحدٌ أنّ باستطاعته فكَّ تحالفه معنا في البترون ونتحالف معه في بقية المناطق، فإذا فرط بترونياً انتهى الموضوع».

وتشدد مصادر «التيار» على أنّ «كلام جعجع عن أنه رشّح سعد لكي لا يقفل الجرد، وصلنا تباعاً وتقبّلناه بكلّ برودة أعصاب»، لافتةً في المقابل الى أنّ «جعجع رجلٌ استراتيجي وتكتيكي، فهو أطلق بالأمس رحلة التفاوض على المقاعد معنا في كلّ لبنان إنطلاقاً من البترون وبالتالي ستكون هناك مطبّات كثيرة سنعالجها».

وترى المصادر أنّ «خطوة ترشيح سعد لم تكن عفوية أو بريئة، بل تأتي في هذا السياق، لكننا أوفياء بتحالفاتنا، إذ لا يمكننا أن نتحالف مع فريق ونمرّر أصواتاً للنائب بطرس حرب كما يهدّد غيرُنا مثلاً، فهذه ليست عاداتنا».

ويعتبر «التيار الوطني الحر» أنّ كرة النار التي تتدحرج من تنورين وموجة الإعتراضات الشعبية باتت في ملعب «القوات»، ونحن لا نتدخل في اختيار مرشحهم، وبالتالي ما زلنا نؤكد على تحالفنا معهم وننتظر كيف ستعالج هذه المسائل.

وأمام كل هذه التطورات، تداولت معلوماتٌ عن أنّ باسيل يحاول فتحَ خطوط مع شخصيات من الجرد قد تكون بديلةً في حال فرط تحالفه مع «القوات»، وتمّ الحديث بالأمس عن أنّ هناك عدداً من الأسماء أبرزها نائب رئيس جامعة سيدة اللويزة الدكتور سهيل مطر.

وسألت «الجمهورية» مطر عن صحّة هذه المعلومات، فأكّد «انفتاحَه على كل الخيارات وجميع القوى السياسية البترونية مثل «التيار»، «القوات»، الكتائب، النائب حرب، وبإمكاني أن أترشح مع أيّ قوّة، لكن ضمن برنامج محدَّد وخطة ورؤية ثابتة».

ويشير مطر الى أنه «لن يعلن ترشحه إذا قرر ذلك قبل معرفة شكل قانون الانتخاب ومجريات المعركة والتحالفات، «فأنا لستُ أسعى للوجاهة أو «للنمرة الزرقاء»، فإذا كان ترشّحي لا يُحدِث فرقاً فلن أُقدم على مثل هكذا خطوة، وأكرّر: «أنا صديق الكل، وعلاقتي جيدة معهم ومن ضمنهم باسيل، وكل الاحتمالات مفتوحة أمامي لكن بالنهاية لستُ هاوي كراسي».

حتّى الآن، ليست هناك مؤشرات جدّية الى فرط حلف «القوات» و«التيار»، وكل ما يحصل هو في إطار التفاوض ورفع السقوف، حيث تصرّ «القوّات» على أنها صاحبة الحق الوحيد في اختيار مرشحيها أو سحبهم ساعة تشاء وفقاً لإتجاه ظروف المعركة.