في ظل تكرار التدخلات الإيرانية في شؤون مملكة البحرين يصعب بناء علاقات جوار طبيعية مع إيران، ما لم تتخل عن هذه السياسة العبثية وتلتزم بالقوانين والمبادئ الدولية.
 

لعلكم تذكرون جولة الرئيس الإيراني حسن روحاني، التي زار خلالها سلطنة عمان ودولة الكويت الشقيقة، وتحدث خلالها بلغة سياسية بدت للبعض تعبيرا عن نوايا إيرانية حسنة ورغبة في فتح صفحة جديدة مع الجوار الإقليمي، وقد اختلط الأمر على هؤلاء لا سيما بعد أن تحدث مدير مكتب الرئيس روحاني عن “فرصة تاريخية” يجب استغلالها من جانب دول مجلس التعاون للتقارب مع إيران.

وكنت قد ذكرت، وقتذاك، أن الخطاب السياسي للرئيس الإيراني خطاب مناور مخادع، لا يمتلك هو ذاته تنفيذه، لأن أهل الحل والعقد في النظام هم الملالي المحيطون بالمرشد الأعلى وقادة الحرس الثوري.

لم يكد يمر شهر على هذه الجولة حتى وقع حدثان مهمان، أولهما مزاعم إيرانية بشأن ملكية جزيرتين في الخليج العربي لا خلاف على سيادتهما بالنسبة إلى دولة الإمارات، والادعاء بأن إيران تمتلك وثائق تثبت ملكيتهما، وأنها ستتوجه إلى جهات دولية للمطالبة باستعادتهما، في اختلاق خبيث لنزاع وهمي لا وجود له من الأساس ويستهدف صرف الأنظار والتشويش على قضية احتلال إيراني ثابتة بالأدلة والبراهين لجزر الإمارات الثلاث؛ طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى.

الواقعة الثانية في غضون شهر بعد جولة روحاني تتمثل في اكتشاف مملكة البحرين الشقيقة تنظيما إرهابيا مرتبطا بالحرس الثوري الإيراني، وتفكيك هذا التنظيم الذي يضم 54 شخصا كانوا يخططون لارتكاب عدد من الجرائم الإرهابية بغرض الإخلال بالأمن والاستقرار في المملكة. وقد كشفت التحقيقات أن بعض أعضاء التنظيم قد تلقوا تدريبات في معسكرات الحرس الثوري في إيران والعراق.

في حقيقة الأمر أستغرب ممن تنطلي عليه لغة الخطاب الإيراني في بعض الأحيان، ويتعامل مع الملالي بظاهر القول لا بباطن الفعل والنوايا. فقد دأب هذا النظام المخادع على ممارسة كل فنون الكذب والخداع في علاقته بدول مجلس التعاون، بل وتدبير الجرائم والحوادث لإلصاقها بدول المجلس كي يحقق أهدافا مصلحية معينة مثل التورط في تدبير حادثة التدافع في موسم الحج منذ عامين تقريبا، كي يتخذ من هذه الحادثة التي راح ضحيتها، المئات من الحجاج، ذريعة لاتهام السلطات السعودية بالفشل في تنظيم موسم الحج، ومن ثم الدعوة إلى تدويل إدارة الأماكن المقدسة، وهي الدعوة التي تنام وتصحو بحسب ما يرى الملالي أنه ظروف مناسبة لإحيائها وطرحها في المحافل الإسلامية الدولية.

من يتابع الإعلام الإيراني لن يجد صعوبة في فهم نوايا إيران تجاه مملكة البحرين الشقيقة، فالملالي يتحدثون عن المملكة بلغة استعلائية استعمارية بائدة، ويحاولون إيهام الشعب الإيراني بأن أراضي البحرين عائدة لإيران تاريخيا، وينزعون عن بلد عربي خليجي مستقل ذي سيادة وعضو في الأمم المتحدة كل هذه الصفات، ويتجرأ البعض منهم على المطالبة باحتلاله والاستيلاء على أرضه وشعبه عنوة.

إنها دعوات همجية تعكس أخلاق هذا النظام الأرعن، الذي تتسم لغة خطابه السياسي تجاه مملكة البحرين بالتذبذب، تارة تعلو وأخرى تنحسر وتنخفض، وفقاً للبيئة والمعطيات والظروف الدولية، فقد علت قليلا عقب توقيع الاتفاق النووي عام 2015، حين شعر الملالي حينذاك بنشوة الانتصار، وأن القوى الكبرى قد أطلقت أيديهم في المنطقة للتصرف وفق ما يرون، وشهد الخطاب السياسي الإيراني تجاه البحرين تصعيدا مستهجنا ونبرة عدائية واضحة، لا سيما من قادة الحرس الثوري، ثم ما لبثت هذه اللهجة الاستعلائية أن تراجعت وانحسرت تدريجيا حتى اختفت عقب تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطة وبروز مخاوف جديدة لدى الملالي حيال نوايا البيت الأبيض، الذي اتجه إلى مسار جديد في العلاقة مع إيران، وطوى صفحة الرئيس السابق باراك أوباما تماما، وبات أكثر ميلا للتعامل الخشن ابتداء من الدعوة إلى مراجعة الاتفاق النووي حتى الدعوة إلى “تمزيقه” وإلغائه كما يتحدث بعض أركان الإدارة الأميركية.

وفي جميع الأحوال، فإن مطامع إيران في مملكة البحرين قائمة تطفو وتغوص بحسب الظروف كما ذكرت، ولكن ما يدركه الملالي جيدا أن البحرين لا تخوض معركتها ضد أطماعهم بمفردها، فأمن البحرين جزء لا يتجزأ من أمن الإمارات والسعودية وبقية دول مجلس التعاون، ولن تترك الدول الخمس الأشقاء في البحرين فريسة لإيران مطلقا، ومن الغباء أن يعتقد ملالي قم أن بإمكانهم تكرار جريمتهم في اليمن في البحرين أو غيرها.

وفي ظل تكرار التدخلات الإيرانية في شؤون مملكة البحرين من الصعب بناء علاقات جوار طبيعية مع إيران، ما لم تتخل عن هذه السياسة العبثية وتلتزم بالقوانين والمواثيق والمبادئ الدولية، لا سيما في ما يتعلق بحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ومن دون ذلك ستبقى إيران دولة معادية ذات أطماع توسعية واضحة في جزء غال من أراضي دول مجلس التعاون.

لا أدري شخصيا، لماذا يصر الملالي على إبقاء حالة العداء مع جوارهم الإقليمي؟ ولماذا يتمسك هذا النظام المتهالك بسياسة رعناء تقوم على التدخل في شؤون الدول العربية رغم التكلفة السياسية بل والاقتصادية والإستراتيجية الباهظة لهذه التدخلات؟ وهل يعتقد الملالي أن بإمكانهم فعليا التهام دولة عربية ذات سيادة في ظل صمت أشقائها الخليجيين؟

أكاد أجزم أن الملالي لا يدركون عواقب تصرفاتهم، ويراهنون دائما على سياسة “حافة الهاوية” في إدارة ملفات سياستهم الخارجية كافة، أي التصعيد ثم التراجع، لماذا؟ لأن في هذه السياسة إثارة للقلاقل وتكريسا لأجواء القلق والاضطرابات والفزع، هي أجواء محببة للملالي ويوظفونها داخليا بشكل جيد في تبرير الفشل التنموي وإهدار مليارات الدولارات من عوائد بيع النفط التي ينفقونها على ميليشياتهم في العراق وسوريا واليمن، وتدخلاتهم في دول عدة حول العالم سواء لتمويل تنظيمات إرهابية، أو لتحقيق تمدد مذهبي.

سالم الكتبي