على إمتداد الساحل الشمالي لجبل لبنان، ذاع صيت إمرأة خمسينيّة إعتادت قرع الأبواب. تُقدّم نفسها تارة على أنّها بائعة ألبسة وتارة أخرى باحثة عن شقّة للإيجار. تجترح الحجج التي تُمكّنها من دخول المنازل برضى أصحابها، تسترق النظر إلى الداخل للمراقبة وتنفيذ المهمّة. تستلطف ربّة البيت بأن تروي ظمأها بكوب من الماء.. ومن هنا تبدأ الحكاية.


بـ"لياقة لافتة" تطلب "الضيفة" من صاحبة الدار أن تتشارك معها في شرب فنجان من القهوة، لتتحجّج بعدها بطلب قليل من السكر. حينها تعمد "بخفةّ" على دسّ سمّ الفئران أوالصراصير في فنجان مُضيفتها، وتنصحها بإرتشاف ما تبقّى منه كي تقرأ لها الفنجان. دقائق معدودة وتغيب ربّة البيت عن الوعي فيما تسارع "ساقية السمّ" إلى "تنظيف" حقيبة ضحيتها ممّا تحويه من مال وانتزاع المجوهرات من رقبتها ويديها ثمّ تقفل باب الدار وتخرج لتخطّط للعملية التالية.

"ساقية السمّ" التي أرعبت سكّان جونية وجبيل وكسروان على مدى أربع سنوات مضت، وهي تصول وتجول بين البيوت وتنجح في تسميم عشرات النساء اللواتي أدخلن المستشفى وتلقين العلاج اللازم بعد أن أنقذتهنّ العناية الإلهية من الموت، تمّ توقيفها وإحالتها للمحاكمة في شهر تموز من العام الماضي، بجرم قتل المدعو "زخيا.ض" بنفس الطريقة داخل شاليه يملكه، وبجرائم محاولة قتل وسلب عدد من النسوة.

وقائع تلك القضّية أوردها حكم أصدرته محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي فيصل حيدر، واستندت فيه إلى اعترافات المتهمة "سلوانا.ب"، بإستخدامها بودرة بيضاء هي عبارة عن مادّة سامة لقتل الفئران والصراصير، إضافة إلى قطرة تحتوي على دواء عربي لتتمكن من سرقة ضحاياها. فأدلت أنّها سرقت إمرأة في صربا بعد أن أخبرتها أنّها تبحث عن شقّة للإيجار، ودسّت لها السمّ في قهوتها ومن ثمّ سرقت منها مسبحة للصلاة و3 أزواج من الحلق وخاتم عليه شكل قمر وخاتمين واسوارتين من الذهب وساعة ثمينة، كما اعترفت بسلبها سيدة في جونية بالطريقة عينها بعد أن قرعت باب منزلها وزعمت أنّها تبيع الألبسة ، مشيرة إلى أنّها صرّفّت المسروقات في عدد من محلات المجوهرات. وقد ضبطت كمية من المواد السامة في منزل المتهمة.

ومن بين ضحايا المتهمة الكثر :

-"زخيا.ض" الذي عثر على جثّته داخل شاليه على الطريق البحريّة في محلّة نهر ابراهيم .

-"خزون.ح" التي دخلت المتهمة إلى منزلها في محلّة جبيل حي الرمل، وطلبت منها فنجاناً من القهوة ثمّ صحناً لتبصّر لها، وعندما شربت المدعية قهوتها شعرت بالغثيان وأنّها على مشارف الموت ، وقد سُرق منها مبلغ 400 ألف ليرة وساعة يد وسلسالا مع أيقونتين ومحبس من الذهب.

-"ماري.ب" التي أدخلت مستشفى سان لويس بعد تعرّضها للتسمّمم، وكانت ابنتها شاهدتها من الشباك المقابل لمنزلها في محلّة جونية ملقاة على الأرض، فتمّ خلع باب البيت والوصول إليها. وقد سرق لها سلسالاً وأقراطاً وخاتماً من الذهب.

-"زينة.خ" التي نقلت إلى مستشفى سيّدة لبنان نتيجة تعرّضها للتسمم داخل منزلها في صربا، وغيرهنّ الكثير.

وقد رفعت عناصر مكتب الحوادث، البصمات الوراثية والأدلّة من "منازل الضحايا" ومن بينها أعقاب السجائر، وجرى تكثيف الدوريات الأمنية على طول المنطقة الممتدة من جونية مرورا بجبيل وكسروان، فتمّ توقيف السيّدة التي أرعبت سكان تلك المناطق فتعرّف عليها من وقع ضحيّتها بنسبة مئة بالمئة. فيما بيّن تقرير مكتب المختبرات الجنائيّة أنّ البودة البيضاء والقطّارة المضبوطتين، تحتويان على مادة الميتوميل واللانيت، وهي مادة حشرية عضوية من نوع "كربامات"، كما أنّ البصمة الوراثية للمتهمة الموجودة في بيوت المدّعين وشاليه المغدور "زخيا.ض" تتطابق مع البصمات الوراثية العائدة لأعقاب السجائر المضبوطة.

محكمة الجنايات في بعبدا، أسدلت الستار عن هذه القضية لتصدر حكمها على المتهمة "سلوانا. ب" (مواليد 1957)، الذي قضى بإنزال عقوبة الإعدام بحقها وتخفيفها إلى الأشغال الشاقة المؤبّدة.