في الوقت الذي كانت تتم فيه عملية التسلّم والتسليم بين جيش النظام السوري وتنظيم «داعش» الإرهابي لمثلث «تدمر» جنوب غرب المدينة، كان إعلام «حزب الله» يزّف عبر إعلامه المرئي والمسموع و«الإلكتروني»، خبراً يتحدث عن سيطرة النظام على المدينة المذكورة و«تقدّمه باتجاه منطقة البساتين غربي مطار تدمر وباتجاه القلعة إثر اشتباكات مع مسلحي تنظيم داعش»، الأمر الذي اعتُبر انه مُحاولة من الحزب، لتسويق أرخص أنواع «الإنتصارات» بين جمهوره الذي يعرف تماماً التنسيق القائم بين النظام و«داعش»، ليس في تدمر وحلب فقط، بل منذ معارك «القلمون» والتسهيلات العسكرية واللوجستية التي كان يُقدمها الطرفان لبعضهما البعض.

العلاقة والتنسيق القائم بين النظام السوري و«داعش» بالإضافة إلى التعامل الإستخباراتي، لا تحتاج إلى أدلّة أو براهين، فلطالما ركّز النظام وحلفاؤه من إيرانيين و«حزب الله» وميليشيات أخرى، في حروبهم على تنظيمات إسلامية مثل جبهة «النصرة» وغير إسلامية مثل «الجيش السوري الحر»، لكن أي حرب او معركة مع «داعش»، لم تُسجّل لا في «القلمون» بالأمس ولا في أي منطقة اخرى اليوم. وبالعودة قليلاً إلى الوراء، يُمكن الركون إلى سقطة كان «تميّز» بها الحزب يوم أفرد إعلامه في مقدمة الأخبار مساحة واسعة للتطرق إلى وضع «النصرة» في الجرود، فأشار يومها إلى أنه «لم تعد لجبهة النصرة حريّة الحركة في جرود عرسال، فهم باتوا مُحاصرين ضمن مناطق مُحدّدة مثل الكسّارات ووادي الخيل ووادي حميد. كما اصبحت النصرة مُحاصرة من جهتين، حزب الله وتنظيم داعش».

اليوم يُحاول «حزب الله» تبنّي أي فعل للنظام يدل على إنتصار أو تقدّم أو أي خطوة يُمكن أن تحفظ له ماء وجهه أمام جمهوره بعد سنوات من الإستنزاف وخسارته أفضل المقاتلين لديه في حرب لم يكن هو من قرّر خوضها في البدء، ولا يعرف على أي شاكلة يُمكن أن تنتهي وأي مصير ينتظر مستقبله في ظل الصفقات القائمة والتي بدأت تُلحظ إمّا من خلال إنهيار بعض الفصائل بعد سحب الدعم عنها، أو من خلال فرض وقف إطلاق النار في العديد من المدن كمقدمة لحلول أو تسويات يُمكن ان تنتج في المستقبل. لكن وحتى هذه اللحظة، لا يريد «حزب الله» الإعتراف بأن قرار «شيطنته»، لمجموعات مناهضة للنظام، جاء بهدف تجييش أبناء طائفته وحضّهم على القتال والوقوف إلى جانبه في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل.

من المؤكد أن ثمّة علامات إستفهام حول الطرق التي يتم من خلالها سقوط «تدمر» بيد «داعش»، لكن المُستغرب يكمن في الطرق التي يتم من خلالها إسترجاع المدينة على يد النظام وحلفائه. لم يرصد السوريون في هذا المجال أي معركة او عمليات اقتحام فعلية بين الجهتين منذ الاعلان عن سقوط تدمر للمرّة الأولى منذ من عام ونصف العام تقريباً. حتى ان عدسات «الإعلام الحربي» سواء التابعة لـ «حزب الله» أو النظام، لم ترصد أي شيء من هذا القبيل لا خلال عملية السقوط، ولا الإسترجاع. وما يُعزّز التنسيق القائم، هو عدم حصول أي مواجهة ميدانيّة حتّى اليوم بين الأطراف المذكورة على أي بُقعة في سوريا. وأيضاً، فمن يعرف جيّداً جغرافية منطقة «القلمون» والجرود، وخريطة توزيع الجماعات المُسلـّحة فيها، يُدرك تماماً أن نقاط تواجد «داعش» لا تبعد في أقصى الحالات، أكثر من مئتي متر عن النقاط التي تتواجد فيها نقاط لـ «حزب الله» أو النظام.

تهليل «حزب الله» لسقوط «تدمر» أمس، لا يُمكن وضعه إلا في خانة «التضليل» الإعلامي. ومن أبرع من الحزب ليقوم بهذا الدور، وهو صاحب «إمتيازات» خاصّة في الحروب الإعلامية؟. وما يدعم أو يؤكّد هذه المقولة، اعتراف للنائب العام السابق لمدينة تدمر القاضي محمد قاسم ناصر في شباط من العام الماضي، أكد فيه أن «رئيس فرع الاستخبارات العسكرية في تدمر العميد مالك حبيب، أخبرني بأن بشار الأسد أمره شخصيا بأن يضع خطة محكمة للانسحاب من تدمر فور مهاجمة داعش للمدينة، وأمره بملء مستودعات الأسلحة والمخازن الضخمة بالسلاح ليفتح الطريق لداعش، ليتابع التنظيم طريقه بعد سيطرته على تدمر وحصوله على السلاح للوصول إلى القلمون ومحاصرة جيش الإسلام. وأخبرني أن قوات النظام سوف تستعيد السيطرة على تدمر بعد عدة أشهر بعد تسليمها لداعش».

«حزب الله» نام على خطة الأسد، وأكثر من ذلك، فقد تعاون معه على تطبيقها في أكثر من مجال سواء لوجستي أو إستخباراتي. الأسد استغل هجوم «داعش» على تدمر ومهّد له، ليظهر أمام العالم بأن التنظيم الإرهابي استولى على المدينة وسط سوريا، وهو في طريقه لحمص وسيقوم بقتل العلويين والمسحيين وإبادتهم. كما أن الجرائم وتهديم الآثار وتدمير المدينة الأثرية التي قام بها «داعش»، أثارت الرأي العام العالمي وهذا ما أراده النظام بالفعل. بأمر إيراني وبغض نظر من اتباع إيران، تمت شيطية «الثورة» بهدف الانتقام منها، لكن في المقابل حافظ هؤلاء على التنظيم الإرهابي وراحوا يقوونه حتى اليوم. كل هذا كان أكده رئيس الوزراء العراقي السابق نور المالكي يوم قال: «إن مجموعات أصولية يُرسلها النظام السوري بمباركة إيرانية إلى العراق لتفجّر دور العبادة. وأن إنكار دمشق هو سياسة طبيعية».

 

علي الحسيني