نحن مستعدّون لتقديم مشروع قانون انتخاب ثالث غير المختلط والتأهيلي (اللذيْن لم تنجح اللجنة الرباعية المعروفة في الاتفاق عليهما). وفي حال رُفض هذا المشروع فإن التيار سيعود إلى المطالبة بـالأرثوذكسي الذي يحقّق المناصفة والتمثيل الصحيح للطوائف. نحن لسنا أقليّة، ولا يستطيع أحد أن يتّفق علينا، ولسنا مستعدّين لخسارة الوقت أكثر في ذلك.
 

هذا الكلام قاله رئيس "التيار الوطني الحرّ" الوزير جبران باسيل في الكورة قبل أيام قليلة. والتهديد فيه يبدو واضحاً لكل الذين رفضوا "الارثوذكسي" وللجهات التي لم تتخذ موقفاً علنيّاً منه مثل "حزب الله" الحليف الأوّل لـ"التيار"، الذي كان يكتفي، عندما يُسأل قياديّوه في اجتماعات تحليليّة عن رأيه فيه، بالقول أنه "يتفهّمه" ودوافعه لكنه ليس الآن في وارد قبوله أو رفضه.
هذا التهديد علّق عليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي ساخراً بقوله: "سبحان الذي يُحيي العظام وهي رميم". وذلك ليس نعياً له بل اعترافاً بدفنه واستحالة إحيائه إلّا بإذن من "الله الأحد". إلّا أن التعليقات التي تداولها السياسيّون والمواطنون كانت في معظمها سلبيّة في أوساط مسيحيّة غير منتمية إلى "الثنائيّة المسيحيّة" التي يطمح طرفاها "التيار الوطني الحر" و"حزب القوات اللبنانية" إلى استقطاب "الشعب" المسيحي مثلما استقطبت "الثنائيّة الشيعيّة" بقيادة "حزب الله" و"حركة أمل" "الشعب" الشيعي. وكانت سلبيّة في أوساط الغالبيّة الساحقة من "الشعب" السُنّي ومن "الشعب" الدرزي. بعض هذه التعليقات اعتبر أن "الرئيس" باسيل لا يستطيع أن يهدّد وإن كان "تيّاره" و"القوّات" يمثّلان غالبية واضحة من مسيحيّي لبنان. إذ كيف يجبر رافضي "الارثوذكسي" من شيعة برّي وشيعة المستقلّين وهم ليسوا أقليّة في طائفتهم على قبوله، ولا سيّما في ظل "الحياد" الظاهري على الأقل حياله الذي يبديه "حزب الله"؟ وكيف يُجبر السُنّة بغالبيتهم الساحقة على قبوله، علماً أن المعلومات المتداولة عند "المرجعيات" وبينها تشير إلى أن الرئيس سعد الحريري زعيم "تيار المستقبل"، الأكثر تمثيلاً سُنيّاً حتى الآن على الأقل، طالب عندما رشّح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية مُزيلاً عقبة مهمّة من طريق انتخابه أن تجري الانتخابات النيابيّة وفقاً لـ"قانون الستّين"؟ أما الدروز فكيف يُجبرهم أيضاً على قبول قانون انتخاب يحرم زعيمهم الأبرز وليد جنبلاط وجود مسيحيّين في كتلته البرلمانيّة، وهذا أمر كان يحصل دائماً.
والبعض الآخر من التعليقات اعتبر أن باسيل لا يمتلك قوة الفرض السياسيّة والنيابيّة، ولا يمتلك في الوقت نفسه قوة الفرض العسكريّة. إلّا إذا كان يعتقد أن حليف "تيّاره" بل مؤسّسه "حزب الله" صاحب القوّة العسكريّة المحليّة الأكبر من أي قوة أخرى والمجرّب أكثر من أي قوّة أخرى، الذي تحوّل قوّة إقليميّة مهمّة جدّاً بعد تدخّله العسكري في سوريا، والذي أعطته ممارسته و"إنجازاته" مرتبة الشريك للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة بعدما كان إبنها بالتأسيس وبالايمان بإيديولوجيّتها الإسلاميّة المُرتكزة على "ولاية الفقيه"، إلّا إذا كان يعتقد أن هذا الحليف سيُسارع إلى توظيف قوّته العسكريّة والشعبيّة والإقليميّة "لإقناع" رافضي "الارثوذكسي" به. علماً أنه ليس ساذجاً بل معروفاً بحدّة ذكائه وكثافة نشاطه. واعتقاد كهذا لا يمكن أن يمر في خاطره إلّا إذا كان يعرف أن حليفه لا يمانع في مناورة كهذه لتقطيع الوقت، ولانتظار التطوّرات الإقليميّة التي لا تزال غير نهائيّة رغم أن بعضها صبّ في مصلحته. والمعروف عن موقفه أنه قطعاً لا يريد فراغاً نيابيّاً جرّاء عجز الحكومة بل الدولة بكل مؤسّساتها عن إجراء انتخابات نيابيّة. لكن المعروف عنه أيضاً واستناداً إلى مصادر ثقة أنه لا يخشى "فراغاً" كهذا إذا صار أمراً واقعاً.
والبعض الثالث من التعليقات على تهديد باسيل يشير إلى أن "الارثوذكسي" مشبوه إلى حد ما. واعتذر عن استعمال هذا الوصف، لكنه متداول سياسيّاً وشعبياً. والمقصود به "اتهام" "محور الممانعة والمقاومة" بتشجيع حليفه المسيحي الأول "التيار" وحلفاء الحليف على طرحه بغية استثارة الشعور الأقلّوي المسيحي والتشجيع على قيام حلف أقليّات في لبنان والمنطقة يضم أقليّاتها المسيحيّة والمسلمة. وكاد هذا الهدف أن يتحقّق جرّاء احتدام الصراع المذهبي المسلم فيها. ولا شيء يمنع استمرار العمل لتحقيقه لأن تأييد التيار السُنّي الأكثر تمثيلاً لرئاسة عون لم يلغِ ولن يلغي في سهولة الصراع المذكور.
هل من تعليقات أخرى سياسيّة وشعبيّة على اقتراح باسيل إحياء الارثوذكسي؟