العمل في المقاهي أو المطاعم أو محلاّت الألبسة وما شابه ذلك هو السّبيل الذي يتّبعه الكثير من شبّان اليوم وشابّاته من أجل تمويل دراستهم الجامعيّة. لكنّ الطّالبة في جامعة "ديوك" (Duke University) الواقعة في ولاية كارولاينا الشّماليّة الأميركيّة، بيلي نوكس (Belle Knox)، ابتكرت أسلوباً آخر لذلك الهدف، وهو العمل في مجال التّصوير الإباحيّ (البورنو).

تلك الفتاة التي ضجّت بقصّتها وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونيّة في الآونة الأخيرة، صرَّحت أنّها لا تخجل بما تقوم به.

أمّا ميا خليفة، اللّبنانيّة الأصل، التي شغلت الرّأي العامّ في مطلع 2015 بعدما حصلت على لقب نجمة "البورنو" الأولى، فأعربت عن فخرها الشّديد باللّقب. لكنّ السّؤال الأكثر جدلاً الذي يُطرَح هنا: لماذا تختار المرأة العمل في مجال "البورنو"، لاسيّما أنّ الآراء حوله لا تحتمل قول بَين بَين، فهناك مَن يرفضه ويراه استغلالاً بشعاً لجسد المرأة، وهناك مَن يتقبّله انطلاقاً من إيمانه بالحرّيّة الفرديّة؟

من "السّتريبتيز" إلى تصوير بعض المشاهد البورنوغرافيّة، ثمّ ممارسة الجنس أمام الكاميرا، الدّافع الأوّل للانجراف وراء ذلك كان محضاً مادّيّاً، إذ حصلت Olive (مغربيّةٌ مُقيمةٌ في فرنسا) مقابل حصّة "ستريبتيز" خاصّةٍ على ثلاثة أرباع أضعاف ما تحصل عليه شهريّاً كبائعةٍ في متجر. عن تلك المهنة، تقول Olive: "أنا لستُ عاهرةً بل ممثّلة بورنو، والأعمال التي أقوم بها تُدخل الفرحة إلى قلوب الكثير من الرّجال. ويُساهم البورنو مساهمةً كبيرةً في تمكين النّاس من التّعاطي مع الجنس كفعلٍ عاديٍّ جدّاً لا يُخجَل منه".

أوّل مشهدٍ جنسيٍّ صوّرته Olive كان له وقعٌ كبيرٌ عليها. "لقد أثّر فيّ كثيراً، حتّى إنَّني عزلتُ نفسي ستّة أيّامٍ في شقّتي وقطعت الاتّصال بكلّ مَن حولي. أثناء فترة عزلتي المؤقّتة قرّرت التّخلّي عن البورنو غير أنّ الأجر كان مُغرياً جدّاً، ومساهمتي في ذلك الفيلم مكّنتني من أخذ موقعٍ في "كاتالوغ" ممثّلات "البورنو". ثمّ تردف Olive قائلة: "أعلم أنّ عائلتي تشمئزّ من أفلام «البورنو»، لكنّني وجدتُ ذاتي في هذا النّوع من الأفلام، وأصبحتُ مطلوبةً لدى بعض المنتجين والكثير من المواقع الإلكترونيّة". Olive تفكّر في الاعتزال، لكن بعد بضع سنوات، فالوقت ما يزال مُبكراً، لا سيّما أنّ بعض الشّركات ومواقع الإنترنت المشهورة بدأت تهتمّ بها أكثر من السّابق.

"... من دون خجل!"

قامت ريان (27 عامًا) بأوّل عملٍ إباحيٍّ من أجل مساعدة صديقتها. فتشرح قائلة: "قبل أن أدخل إلى هذا المجال، كنتُ أعمل في مجال التّجارة بالتّجزئة مع صديقةٍ لي كانت تُعبِّر دائماً عن رغبتها في إطلاق شركةٍ خاصّةٍ بإنتاج أفلام البورنو. ذات يومٍ قالت لي: إذا أصبحت هذه الشّركة واقعاً، هل تشاركين في أوّل فيلمٍ أصنعه؟ فوافقتُ على الفور". بعد مضيّ عام، أطلقتْ صديقتها تلك الشّركة، ولعبت ريان دور البطولة في الفيلم الأوّل الموجّه إلى مثليّي الجنس، بعد أن اتّفق الطّرفان (ريان وصديقتها) على أن تركّز الشّركة في أفلامها على الحياة الجنسيّة للأنثى ولمثليّي الجنس، ولا سيّما أنّ هاتَين الفئتَين لا تحوزان سوى القليل من اهتمام صانعي الأفلام الإباحيّة. عن تلك التّجربة، تقول: "لقد كانت رائعةً وإيجابيّةً للغاية... أدّيتها بإخلاص، ولكنّي لم أعتقد حقاً أنّها ستُثمر ذلك النّجاح... من هنا بدأتُ في هذا العمل واستمرّيت فيه".

العمل الإباحيّ بالنّسبة إلى ريان هو المكان الذي تُعبِّر فيه عن حياة المرأة الجنسيّة من دون أيّ خجل، ولاسيّما أنّ المجتمع لا يتيح للمرأة فرصاً للتّعبير عن حياتها الجنسيّة كما الرّجل. لكن، لا تنكر ريان وَصمة العار التي يواجهها بها المجتمع بسبب مهنتها، ولا نظرته إليها بأنّها ضحيةٌ كونها تعمل في المجال الإباحيّ. ويُذكر أنّها تحمل شهادة ماجستير في العمل الاجتماعيّ، وهي ناشطةٌ في سبيل دعم العاملين في مجال "البورنو".

في هذا الشّأن، تحدَّثنا إلى د. رندا شليطا، أستاذة جامعيّة ومحلّلة نفسيّة، التي أشارت إلى أنّ "هناك أسباباً عدّةً تقع وراء اختيار المرأة العمل في مجال البورنو. وبحسب تصريحاتهنّ، تعدّ الحاجة الماديّة الدّافع الأساسيّ لمزاولة معظمهنّ هذا العمل. وقد يكون الاعتداء الجنسيّ عاملاً مؤدّياً إلى ذلك. هناك أيضاً مَن يعترفنَ باختيارهنّ الإراديّ له. فبعضهنّ يعددنه عملاً متاحاً يُحقّق عائداتٍ ماديّةً تساعد صاحبته على العيش بمستوًى اجتماعيٍّ معيّن. لقد أصبح الإنسان يدفع أيّ ثمنٍ للوصول إلى الشّهرة، ولو كان ذلك الثّمن هو كرامته".

وعن تأثير أفلام "البورنو" في مشاهديها، تشير د. شليطا إلى أنّ الأفلام التي تقتصر على الإيحاء مفيدةٌ من ناحية علم النّفس الجنسيّ، لاسيّما للأزواج الجُدُد الذين لا تنجح علاقتهم الجنسيّة في البداية بسبب كبتٍ ما عند الشّريكَين أو عند أحدهما. وعند استشارة طبيبٍ جنسيّ، ينصحهما بمشاهدة أفلامٍ إيحائيّة، كنوعٍ من العلاج من أجل الوصول إلى حياةٍ جنسيّةٍ طبيعيّة. ولكنْ هناك أفلام "بورنو" مقززّة وأشخاصٌ لا يعرفون العيش من دونها لأنّ لديهم شكّاً كبيراً في قدراتهم الجنسيّة والعاطفيّة أو نوعاً من أنواع الشّذوذ الجنسيّ، وقد يكون ذلك ناجماً عن خللٍ تعرّض له تطوّرهم الجنسيّ أثناء فترة المراهقة أو ما قبلها، إذ إنّ التّطوّر الطّبيعيّ والمتوازن للجنس لدى الإنسان يُمكِّنه من الحصول على حياةٍ جنسيّةٍ متوازنةٍ بعد فترة المراهقة، فيصل إلى النّشوة بطريقةٍ سهلة.

(الحسناء)