يعبِّر رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في مجالسه الخاصة عن «ارتياحه والقوات اللبنانية للتطورات الحاصلة في لبنان خلال الأشهر الأخيرة، ولا سيما منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتشكيل حكومة الرئيس رفيق الحريري، وبشأن ما يجري من اتصالات ولقاءات داخلية وخارجية لحماية الاستقرار اللبناني وتعزيز العلاقات بين لبنان والدول العربية والإسلامية والأجنبية».
ولا يتخوف جعجع من حصول فراغ سياسي بسبب الخلاف الدائر حول قانون الانتخابات النيابي، لأن هناك توافقاً مبدئياً بين معظم الأطراف السياسية على أن القانون المختلط بين الأكثري والنسبي هو الأكثر واقعية وإمكانية للسير به وإجراء الانتخابات على أساسه، مع بعض التمديد التقني للمجلس الحالي، وأن الورشة القائمة اليوم للبحث عن قانون جديد ستستمر حتى الوصول إلى هدفها، وهناك تواصل مستمر بين جميع الأطراف في هذا المجال.
ويؤكد جعجع «ان مواقف القوات اللبنانية ثابتة ولم تتغير، إن على صعيد الأوضاع الداخلية والنظرة لحزب الله ودوره، أو لجهة الموقف من إيران والدول العربية والإسلامية، وان زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لإيران مسألة طبيعية، كما أن قبول المساعدات العسكرية من إيران للجيش اللبناني لا يوجد أمامها حالياً أي عقبات ما دامت العقوبات الدولية قد رفعت عن إيران».
هذه بعض الأجواء والمواقف التي يطرحها الدكتور سمير جعجع في مجالسه الخاصة أو في مواقفه المعلنة.
فما هي الخلفيات والأبعاد التي تقف وراء هذه الطروحات؟ وأي دور مستقبلي يطمح إليه الدكتور سمير جعجع والقوات اللبنانية في المرحلة المقبلة؟
الخلفيات والأبعاد
بداية ما هي الخلفيات والأبعاد التي تقف وراء الاتجاهات الايجابية الجديدة في مواقف الدكتور سمير جعجع والقوات اللبنانية، وخصوصاً تجاه حزب الله وإيران؟
لا بدّ من القول أولاً ان الدكتور جعجع يحاول التأكيد دوماً ان مواقفه والقوات تجاه حزب الله وإيران لم تتغير، ولا يزال ثابتاً على مواقفه، لكن المراقب لهذه المواقف ولا سيما منذ اعلان النيات المشتركة بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» ودعم ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، يلحظ ان «القوات اللبنانية» اعتمدت نوعاً من «سياسة الصمت» حول سياسات حزب الله وأدائه الداخلي والخارجي، كذلك لوحظ اطلاق جعجع لسلسلة مواقف ايجابية تجاه إيران، وكذلك أرسل موفداً له، هو وزير الشؤون الاجتماعية بيار أبي عاصي الى السفارة الإيرانية للتعزية برحيل رئيس مجمع تشخيص المصلحة في إيران آية الله الشيخ هاشمي رفسنجاني وقد لقي استقبالاً وارتياحاً كبيراً لدى أركان السفارة.
ويلاحظ المراقبون أيضاً وجود نوع من التقارب والتواصل الحميم بين وزير الإعلام الجديد ملحم رياشي ورئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية النائب الدكتور حسن فضل الله، وقد دُعيَ رياشي من قبل العلاقات الإعلامية في حزب الله للمشاركة في تكريم رئيس تحرير جريدة السفير الأستاذ طلال سلمان، وكانت أجواء التكريم ايجابية.
وتشير مصادر متابعة لمواقف جعجع والقوات اللبنانية: إلى أن هناك رغبة شديدة لديهما لتعزيز العلاقة مع حزب الله وإيران، مع الاحتفاظ بالعلاقة الوثيقة مع السعودية والدول العربية والدول الأجنبية، ولا سيما أميركا وفرنسا وبريطانيا، لأن ذلك يشكل «خطوة استراتيجية مستقبلية» في معركة جعجع الرئاسية بعد ست سنوات، اضافة إلى العمل لحماية الاستقرار اللبناني واستعادة الدولة اللبنانية لسيادتها الكاملة ومعالجة المشكلات التي تواجه هذا المشروع من خلال الحوار الداخلي وبناء أفضل العلاقات مع كافة الأطراف اللبنانية والعربية والخارجية، وإن كان جعجع يؤكد دوماً «ان أداء الرئيس العماد ميشال عون منذ انتخابه، وخطاب القسم والإعلان المشترك بين القوات والتيار كلها تصب في اطار الأهداف التي سعت إليها القوات طوال السنوات السابقة ولا سيما علي صعيد بناء الدولة واقامة علاقات متوازنة مع جميع الأطراف وحماية سيادة الدولة ووقف التدخلات في الشؤون الخارجية للدول الأخرى».
أي دور مستقبلي؟
لكن أي دور مستقبلي يطمح إليه الدكتور سمير جعجع والقوات اللبنانية في المرحلة المقبلة؟ وهل سينجحون في تحقيق الأهداف التي يسعون إليها؟
لا تخفي الأوساط المطلعة على أجواء جعجع والقوات «ان معركة رئاسة الجمهورية المقبلة هي احدى القضايا الأساسية في المشروع السياسي المستقبلي للقوات، وان دعم جعجع والقوات للعماد ميشال عون في المعركة الرئاسية الأخيرة، يجعل من حقهما العمل مستقبلاً لتحقيق مثل هذا الهدف، مع أن الحديث عن هذا الموضوع سابق لأوانه حالياً، لأن ولاية العماد عون لا تزال في بدايتها، وطبيعة المعركة الرئاسية مرتبطة بالظروف السياسية والأوضاع الداخلية والخارجية في حينها».
لكن بموازاة التفكير المستمر في المعركة الرئاسية المقبلة، تضع «القوات اللبنانية» عدة أولويات لها في المرحلة الحالية، ومنها:
1- تعزيز حضورها السياسي والشعبي والنيابي، ولا سيما من خلال تحالفها مع التيار الوطني الحر والعمل لوضع قانون انتخابات نيابي جديد يعزز التمثيل المسيحي.
2- تقديم أفضل أداء لوزراء «القوات اللبنانية» في الحكومة الحالية، ولا سيما على صعيد مكافحة الفساد ومعالجة هموم المواطنين. ويؤكد مسؤولو القوات اللبنانية انهم جاهزون لمتابعة أي ملف موثق يقدَّم إليهم حول الفساد في أية وزارة أو مؤسسة.
3- تفعيل دور القوات داخلياً وخارجياً مع الحفاظ على التوازن في العلاقات بحيث لا تكون أية علاقة جديدة على حساب العلاقات القائمة اليوم. ويتابع الدكتور سمير جعجع باهتمام التطورات الجارية عربياً ودولياً، ولا سيما في مرحلة ما بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد تر امب إلى سدة الرئاسة الأميركية، وكيف سينعكس ذلك على كل الأوضاع في المنطقة، وخصوصاً الأزمة السورية.
4- العمل لتحقيق الأهداف التي كانت ترفعها «قوى 14 آذار» على صعيد بناء الدولة واستعادتها سيادتها الكاملة، من خلال الحوار الداخلي ومعالجة كل المعوقات التي تقف وراء ذلك.
هذه بعض الأهداف التي تسعى إليها «القوات اللبنانية» في المرحلة المقبلة، فهل تتمكن من تحقيق هذه الأهداف؟ وكيف توفق بين ما تطرحه من أهداف ومواقف وبين الأوضاع الداخلية والخارجية التي تزداد تعقيداً وحدة، ولا سيما في ظل الصراع المستمر بين إيران والسعودية والسياسات التصعيدية الجديدة للرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب؟
تبدو مهمة الدكتور سمير جعجع والقوات اللبنانية صعبة إن لم نقل مستحيلة، لكن المحاولة ضرورية عسى أن تُسهم في فتح أبواب جديدة في الواقع السياسي اللبناني.}