دبلوماسية دق الأسافين قد تكون أحد الخيارات الرئيسيّة لإدارة الرئيس الأميركي الجديد في الشرق الأوسط، خاصة بين روسيا وإيران.


إذ تدرس إدارة دونالد ترامب سبل إفساد التحالف العسكري والدبلوماسي الروسي مع إيران سعياً وراء إنهاء النزاع السوري وتعزيز الحرب ضد تنظيم داعش، بحسب كبار المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والعرب المشاركين في مناقشة السياسات الجديدة للرئيس المنتخب مؤخراً.

تعهدات متناقضة

ويرى هؤلاء المسؤولون أن الاستراتيجية الجديدة تستهدف تحقيق التوافق بين تعهدات الرئيس ترامب المتناقضة بشأن تحسين العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورفض التواجد العسكري لإيران – أحد أهم حلفاء موسكو – في الشرق الأوسط حاليا، حسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

وذكر أحد كبار المسؤولين بالإدارة الأميركية أن البيت الأبيض ليست لديه مخاوف من روسيا ولا يرى الرئيس بوتين "أقل شأنا"، رغم التصريحات الاسترضائية التي أدلى بها الرئيس ترامب حول الزعيم الروسي خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وأشار المسؤول إلى أن الإدارة لا ترى أن روسيا تمثل نفس الخطر الذي استشعرته تجاه الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة وفِي الوقت ذاته فإن ترامب ملتزم بفرض القيود على إيران.

وقال المسؤول: "إذا كانت هناك إمكانية للإيقاع بين روسيا وإيران، فإننا نود دراسة ذلك".

ولا توضح هذه الاستراتيجية بالكامل الإشارات المختلطة التي أرسلها ترامب ودوائره السياسية فيما يتعلق بموسكو، والتي أثارت غضب حلفاء الولايات المتحدة ومخاوف زعماء الحزب الجمهوري بالكونغرس.

وبعد أيام من تصريحات سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي حول ضرورة "إدانة العمليات الروسية بصورة واضحة وقوية" جراء تصاعد العنف شرقي أوكرانيا، أشار نائب الرئيس مايك بنس يوم الأحد الموافق 5 شباط 2017 إلى أن واشنطن يمكنها رفع العقوبات المفروضة على موسكو على الفور في حال تعاونها مع الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

وتحدث ترامب ذاته مرة أخرى حول رغبته في تحسين العلاقات مع بوتين خلال لقاء أجراه يوم الأحد قائلاً: "من الأفضل أن نسعى وراء تحسين العلاقات مع روسيا". وبعد أن ذكر مضيف قناة فوكس نيوز بيل أوريلي أن بوتين "قاتل"، أجاب الرئيس: "هل تعتقد أن بلدنا بريئة تماماً؟".

ومع ذلك، يرى هؤلاء المشاركون في مناقشة السياسات الأخيرة أن هناك تركيزاً على محاولة دقّ إسفين بين روسيا وإيران.

ماذا سيتلقى بوتين مقابل بيع إيران؟

وذكر أحد كبار المسؤولين الأوروبيين الذي أجرى مناقشات مع فريق الأمن القومي لترامب خلال الأسابيع الأخيرة أن "هناك دون شك تقارباً بين روسيا وإيران. ومع ذلك، فإن ما سيطلبه بوتين مقابل تقويض ذلك التحالف ليس واضحاً بعد".

وبالرغم من ذلك، فإن إقناع بوتين بالتراجع عن تحالفه مع إيران سيكون صعباً للغاية – بحسب ما يراه عدد من الخبراء الروس في واشنطن – وباهظ التكلفة على حساب تحالفات الولايات المتحدة مع شركائها الغربيين.

ولن يكون ترامب أول رئيس أميركي يتبنى هذه الاستراتيجية. فقد أمضت إدارة أوباما سنوات في محاولة إقناع روسيا بالتخلي عن إيران، خاصة فيما يتعلق بالنزاع السوري، ولم تحصد سوى قيام الدولتين بتكثيف عملياتهما العسكرية هناك من أجل دعم النظام الحاكم في دمشق.

وذكر دميتري سايمز، أحد الخبراء الروس ورئيس مركز المصالح القومية في واشنطن "إذا ما خفض الكرملين حجم إمدادات السلاح المقدمة إلى إيران، فمن الأرجح أن ينتظر تخفيفاً هائلا في العقوبات المفروضة على روسيا. فالروس لا يؤمنون بالهبات المجانية".

وذكر الكرملين أنه يستهدف تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب، ولكنه أعرب خلال الشهور الأخيرة أيضا عن عزمه مواصلة التعاون مع إيران.

فقد شكلت موسكو وطهران تحالفاً عسكرياً قوياً في سوريا خلال السنوات الأخيرة. ويعد الكرملين مورداً رئيسياً لنظم التسليح والمعدات النووية إلى إيران.

ومع ذلك، تسعى إدارة ترامب إلى استغلال ما يعتبره كبار المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والعرب بمثابة انقسامات محتملة بين روسيا وإيران حول الاستراتيجية المستقبلية في سوريا والشرق الأوسط الأوسع نطاقاً.

وذكر مايكل ليدين، الخبير الأكاديمي الذي كان يعمل مستشاراً لدى مستشار مجلس الأمن القومي مايكل فلين خلال الفترة الانتقالية وشاركه في تأليف كتابه في العام الماضي: "تتمثل القضية فيما إذا كان بوتين مستعداً للتخلي عن آية الله خامنئي. وأعتقد أن ذلك ممكن إذا ما اقتنع أننا سنتولى أمر إيران. واستدرك قائلا"أشك في أنه يرى ذلك اليوم".

التخلي عن الأسد

وأجرت روسيا وإيران وتركيا محادثات في كازاخستان خلال الأسابيع الأخيرة لمحاولة إنهاء الحرب السورية التي استغرقت ست سنوات. وذكر المشاركون في المحادثات، التي استبعدت كبار الدبلوماسيين الأميركيين، أن روسيا بدت أكثر تقبلاً من إيران لمناقشة مستقبل سوريا دون وجود الرئيس بشار الأسد في سدة الحكم.

وقد دعت إحدى الفصائل التي تدعمها روسيا بالمحادثات إلى وضع دستور سوري جديد وبدء مرحلة انتقالية تدريجية لا يكون الأسد جزءاً منها.

وكان لافتا أن موسكو دعت إدارة ترامب إلى المشاركة رفيعة المستوى في المحادثات، وهي دعوة لم تقدمها إلى إدارة الرئيس أوباما السابقة. وفي الأسبوع الماضي، أرسلت الإدارة الأميركية الجديدة سفيرها في كازاخستان للمشاركة في المحادثات.

وأشار تقرير "وول ستريت" إلى أن بوتين نجح إلى حد كبير في إنقاذ نظام الأسد من الانهيار من خلال الضربات الجوية التي شنتها طائراته على سوريا خلال الأشهر الـ18 الماضية. ومع ذلك، يهتم الكرملين بتحصين تواجده العسكري طويل الأجل في سوريا ولا يرى بالضرورة أن الأسد شريك مستمر بتلك المحادثات، بحسب هؤلاء المسؤولين.

وعلى النقيض من ذلك، تلتزم إيران التزاماً كاملاً تجاه الأسد باعتباره شريكاً رئيسياً في شحن الأسلحة والأموال إلى الوكلاء العسكريين لإيران في لبنان والأراضي الفلسطينية، بما في ذلك حزب الله وحركة حماس. ومن الأرجح ألا تكون علاقة أي رئيس عربي لسوريا في المستقبل، حتى لو كان وثيق الصلة بالأسد، بمثل قوة علاقة الأسد حالياً بطهران.

وذكر فريد هوف، المسؤول السابق بالخارجية الأميركية الذي كان يتولى الإشراف على سياسة سوريا خلال الفترة الأولى لحكم الرئيس أوباما "تدرك روسيا جيداً مدى فساد وعجز نظام حكم الأسد... وتعلم أن استقرار سوريا – وهي دولة تستحق أن يكون لها قواعد عسكرية بها على المدى الطويل – لن يتحقق في ظل وجود الأسد في سدة الحكم".

وقد تبنت إدارة أوباما أيضاً استراتيجية حاولت من خلالها التقارب مع روسيا بعيداً عن طهران. وخلال الفترة الأولى من حكمه، نجح أوباما في الحصول على دعم الرئيس الروسي حينذاك ديميتري ميدفيدف للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة ضد إيران جراء أنشطتها النووية، و أرجأت موسكو أيضاً تسليم صواريخ دفاع جوي إلى طهران، بما أدى إلى إثارة جدل دبلوماسي بين الدولتين.

وفي المقابل، خفض البيت الأبيض من نشر دفاعاته الصاروخية في أوروبا، بما جعل روسيا تعتقد أنه أدى إلى تقويض موقفها الاستراتيجي.

ورغم ذلك، تصاعدت حدة التوتر بين روسيا والولايات المتحدة بعد أن استعاد بوتين منصب الرئاسة عام 2012 وسيطر على شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014. وجاء رد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات مالية قاسية على الدوائر الداخلية التابعة له.

ثمن فادح

ويعرب عدد من الخبراء الروس بواشنطن عن اعتقادهم أن بوتين سيطالب بثمن فادح مقابل أي تحرك من جانبه للابتعاد عن إيران. وعلاوة على رفع العقوبات.

ويعتقد الخبراء أن بوتين سيطلب من الولايات المتحدة تخفيف حدة انتقاداتها للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ووقف التوسع في فتح باب العضوية في حلف الناتو أمام البلدان المجاورة للحدود الروسية.

ومن المزمع أن تنضم مونتنيغرو إلى حلف الناتو هذا العام. ولا يزال يتعين على مجلس الشيوخ الأميركي التصويت بالموافقة على انضمامها للحلف.

وخلال تقرير صدر يوم الجمعة 3 شباط 2017، حذر معهد دراسات الحرب في واشنطن أنه حتى لو قررت موسكو الابتعاد عن طهران، فلن يحد ذلك من النفوذ الهائل لإيران على المؤسسات الاقتصادية والعسكرية والسياسية السورية.

وذكر التقييم أن "أي جهود أميركية للقضاء على نفوذ إيران في سوريا من خلال روسيا سوف تنتهي دون شك بالفشل".

وأشار التقرير إلى أن روسيا قدمت منظومة S-300 المضادة للصواريخ إلى إيران بعد أن قامت طهران والولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى بتنفيذ الاتفاق النووي منذ عام واحد. وتحدث الكرملين منذ ذلك الحين عن التوسع في التعاون العسكري والنووي مع طهران.

ومع ذلك، سعى ترامب إلى تحسين العلاقات مع موسكو، وهو الأمر الذي أيده بوتين علانيةً. وأشار الرئيس الأميركي الجديد إلى إمكانية تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا إذا ما اتخذ الكرملين خطوات جادة نحو التعاون في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سوريا والعراق ومواجهة مخاطر الأمن القومي التي تهدد الولايات المتحدة.

في المقابل ، فقد أوضح ترامب ومستشاروه منذ تولى الرئاسة أن فرض القيود على إيران سيكون من بين أولوياتهم. وأقروا أيضاً سراً أن تعاون الكرملين ليس أمراً مؤكداً.

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الإدارة الأميركية أنها منحت طهران "مهلة" مع فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 25 شخصاً وكياناً إيرانياً جراء دورهم المزعوم في دعم برنامج القذائف الباليستية والأنشطة الإرهابية الإيرانية.

وأرسلت وزارة الدفاع الأميركية في الأسبوع الماضي أيضاً مدمرة US Cole البحرية لحماية المياه الإقليمية حول اليمن. وقد أثار استعراض قوة الإدارة الأميركية مخاوف من نشوب نزاع عسكري بين الولايات المتحدة وإيران.

ومع ذلك، ذكر مسؤولون مقربون لإدارة ترامب أنهم يعتقدون أن البيت الأبيض يستطيع اكتساب احترام الكرملين إذا ما أبدى التزاماً بفرض تحذيراته على الحكومات الأخرى.

وذكر مسؤول أميركي رفيع المستوى يوم الجمعة 3 شباط 2017، أن "إيران لديها عملية مستمرة في أنحاء المنطقة... ولكنها ليست مستدامة أو مقبولة وتنتهك من خلالها الأعراف وتؤدي إلى انعدام الاستقرار بالمنطقة، ويتعين عليها تحديد ردودها على أفعالنا. فالخيار الآن مفتوح أمام إيران".