لا تكفي الدموع، ولا نبضات القلب المتسارعة، ولا الصراخ عندما ندرك أنَّ الوداع أبدي! يصعبُ فهم هذه الحياة، نسأل ونسأل لمَ هو؟ ولمَ الآن؟ لمَ كل هذه المعاناة، والآلام؟ لمَ يكتب الشقاء لناس دون آخرين؟ لمَ نقول دوماً "الله ما بيجرب إلاَّ خايفينه"، هل نحتاج إلى أن نكون تحت التجربة دوماً؟ نعزي أنفسنا بإيماننا بمشيئته، نقول إنه "ما بيبلي ليعين"! نتخبط ومشاعرنا وأحاسيسنا، نخفي ضعفنا. قد نتحمَّل الألم والمرض ولكننا ننهزم حتماً لدى رؤية طفلٍ على سرير المستشفى وأجهزة الإنعاش تغطي وجهه، يكافح للبقاء حياً، ونحاول استجماع قوتنا عندما نرى عائلة تكافح بكل ما أوتيت من إيمان وقوة للصمود.

 

ارتقى جوزيه أمس الى السماء ملاكاً، ولم تكتبْ له العودة معافىً من رحلة علاجه الى أميركا. كلمات قليلة بالكاد تقولها عمته سيلين لنا عبر الهاتف " للأسف، الخبر السيئ صحيح... ملاكنا في السماء".
القدر مجحفٌ جداً، والحياة ظالمةٌ، والمعاناة قاتلة، لستُ بوالدةٍ بعد ولكنني أتفهم حتماً ما تشعر به اليوم والدة جوزيه التي أمضت أشهراً داخل جدران المستشفيات محاربةً لبقائه على قيد الحياة.
الاهتمام والرأفة والرحمة صفات فقدها البعض، فكان جوزيه طيلة عامين حقل أبحاث وتجارب أرهقت جسده الصغير، وكانت وحدة العناية المركزة المكان الذي يزوره بشكل دائماً عوضَ أن يلعب مع رفاقه ومن هُم في سنه. حاولت يوم 7 كانون الأول 2016 تسليط الضوء على حال جوزيه علَّني أساهم في حضّ الناس على التبرع لإنقاذ روح صغيرة، والده روي الذي لم ألتقِ به بل تواصلنا على الهاتف، أخبرني عن المراحل الصعبة التي مرَّ بها جوزيه، فكان الخيار في نقله الى الولايات المتحدة الأميركية ليحصلَ على العلاج اللازم. لم أعرف كيف أواسيه وتمنيتُ القوة لزوجته، التي أرهقتها رؤية صغيرها يذبلُ أمام عينيها.

 

850 ألف دولار أميركي كلفة علاج جوزيه، لم تكن حاجزاً أمام عائلة آمنت بمشيئة الرب، و"Hope for Jose" شكلت حافزاً لأصحاب الأيادي البيضاء التي رفضت أن ترى طفلاً يعاني، والتعليقات في موقع "فايسبوك" المطمئنة عن حاله والمصلية لأجله كانت تؤكد أنَّ الخير لا يزال موجوداً.
خضع جوزيه لعملية زرع نخاع عظمي وكانت المعلومات تفيد بأنه يحتاج إلى سنةٍ كاملة للتماثل للشفاء، فعَلت الصلوات لاستعادة عافيته وقواه، ولكنَّ إرادة إلهية حملته إلى مكانٍ أفضل. جوزيه روحك الصغيرة كانت أكبر من هذه الحياة، فاختُرت لتكون ملاكاً حارساً، حيث الحب والنقاء. ملاك ستحرس عائلتك وكل محبيك، وستبقى الأمل الذي نستمد منه القوة في لحظات الضعف.
أيها الصغير الذي أسرتنا جميعاً منذ أشهر، رحيلك اليوم كسر قلوبنا!

(سلوى أبو شقرا)