بين السعودية ولبنان تاريخ عريق من العلائق المميّزة، يعود الى مطلع الإستقلال اللبناني حين كان الملك عبد العزيز بن سعود من أوائل الداعمين للإنطلاقة الإستقلالية بإقامة علاقة دبلوماسية مع لبنان وتعيين قائم بالأعمال سنة 1944.
 

ولم تتخلّف المملكة عبر السنين الخوالي عن مواكبة المسيرة اللبنانية وتطوراتها في المجال التنموي والإقتصادي والسياحي والتفاعل الإنساني المشترك.

وفيما كان لبنان يتعرّض للحديد والنار سنة 1975 وقد تورطَّت دولٌ عربية الى جانب الفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية في الحرب، كان الملك خالد بن عبد العزيز في المقابل يقوم باتصالات مضنية أسفرت عن عقد قمة عربية مصغّرة في القاهرة وتلَتْها قمة موسعة تكلّلت بإرسال قوات عربية لوقف الحرب وحفظ الأمن في لبنان.

وبالرغم من استمرار المعاكسات العربية التي حالت دون إنهاء ما كانت تعرف بحرب السنتين في إطار استراتيجية مريبة تهدف الى اهتزاز مقومات لبنان السيادية والقضاء على خصائصه المميزة فانتُهِكَت أرضه سائبةً للغزاة، «وكلما دخلت أمة لعنت أختها...» لم تنكفئ السعودية عن القيام بمواجهات حوارية مع دول العرب من أجل لبنان لعبت فيها دور المتنبي مع سيف الدولة الذي كان هو الخصم والحكم ولم يردعها تشاؤم الشاعر الذي قال:

متى يبلُغُ البنيانُ يوماً تمامَهُ إذا كنتَ تبنيهِ وغيرُكَ يهدِمُ بل راحت الى جانب الإلتفاف العربي تتولى الدعوة الى حوارات لبنانية وقد تبنَّتْ رعايتها في الأعوام (1978-1983-1984) فكانت حوارات: بيت الدين وجنيف ولوزان، وكان آخر المطاف في مؤتمر الطائف 1989 الذي حقق اتفاق اللبنانيين على الدستور الجديد وإنهاء حرب العشرين عاماً في لبنان.

ولم تقف السعودية عند هذا الحدّ من العون بل تخطته الى الإنخراط في ورشة إعادة إعمار ما دمَّرته الحرب وتعزيز برامج التنمية فيه، مثلما ساهمت من بعد في إعمار ما دمرته الإعتداءات الإسرائيلية في لبنان: في الأعوام (1993-1996-1998-2006) وصولاً الى تعزيز دعم الجيش اللبناني وقوى الأمن بالمليارات التي عُلِّقتْ نتيجة انهيار مؤسسات الدولة المعلقة على حبال الهواء.

نقول هذا: أمانة للتاريخ، لا غراماً بإبنة الصحراء على غرار إبن الملّوح، ولا تحيُّزاً لها في مجال المواجهات السائدة، مع أن لنا الوفير من الملاحظات على ما نسمع من مغالاة دينية على ألسنة رجال الدين فيها.

إلا أن أدبيِّاتنا الوطنية تفرض علينا ألّا نتنكر للتاريخ وأن نكون أوفياء لأهل الفضل في زمن إستفحال العقوق بالفضائل والحقوق، ومن حق الأفاضل أن يدركوا أن من يساعد لبنان هناك من يحفظ له الودّ والقدر وعرفان الجميل والشكر.

زيارة الرئيس ميشال عون الى السعودية نرجو أن تكون فاتحة خير مستجّد بين الشقيقين لإعادة المياه اللبنانية الصافية الى الصحراء وعودة أبناء الصحراء الى تنشُّق هواء الجبل الذي هو أحد جبال الجنّة كما جاء على لسان الرسول (1).

ونرجو أن يتابع الرئيس عون جولاته على سائر الأشقاء والأصدقاء حاملاً على راحتيه رسالة لبنان الحضارية التي بها يكون الترياق للسموم المذهبية المتفشية والتي بها يكون لبنان في دواهي الأيام عوناً للعرب.

1- عن عمر بن عوف: قال الرسول: إن جبال أحد والطور وجبل لبنان من جبال الجنة: (مجمع الروائد ومنبع الفوائد 4/17 مؤسسة المعارف بيروت 1986).