في الـ23 من ديسمبر/كانون الأول، قطعت السلطات المسؤولة عن المياه في دمشق إمدادات المياه في المدينة، بعد أن زُعِم أنَّ المياه تلوَّثت بوقود الديزل.
 

 وتسبَّب ذلك في حرمان 4 ملايين شخص من الحصول على الماء النظيف بشكلٍ منتظم، وأصدرت الأمم المتحدة بياناً على إثر ذلك عبَّرت فيه عن قلقها.

وهناك ادِّعاءاتٌ متعارضة حول ما إذا كان ذلك ناتجاً عن عملٍ قامت به المعارضة السورية، أم عن قصفٍ قام به النظام السوري، وفقاً لتقرير لشبكة Bellingcat البريطانية.

وقد استقى هذا التقرير معلوماتٍ من مصادر مفتوحة للبحث في هذا الحادث، ومحاولة تحديد هُوية المسؤول عنه. وما لم يُنَص صراحةً على خلاف ذلك، فجميع الأوقات المذكورة بالمقال هي حسب التوقيت العالمي (توقيت غرينتش)، بما في ذلك التوقيتات الموجودة في التغريدات والمنشورات.

 

السياق

 

تعتمد إمدادات المياه في منطقة حوض دمشق بشكلٍ أساسي على ينابيع وادي بردى وعين الفيجة. إذ يغذّي نبع بردى بحيرة بردى، التي تمثِّل منبع نهر بردى. ويتدفَّق هذا النهر عبر منطقة عين الفيجة في وادي بردى، حيث تنضم إليه المياه من ينابيع عين الفيجة، التي تُسهِم بنحو 50% من المياه المتدفِّقة حول دمشق. ويوفِّر مصدر المياه هذا الجزء الأكبر من مياه دمشق، إذ تُعالَج وتوزَّع في أرجاء المدينة.

تُعَد السيطرة على مياه شرب عدَّة ملايينٍ من الناس أداةً استراتيجية حيوية، وتوفِّر قدراً كبيراً من النفوذ للفصيل الذي يسيطر عليها. وهذا يمنح فصائل المعارضة التي تسيطر على وادي بردى نفوذاً لا يتناسب مع مساحة الأرض التي تسيطر عليها.

استخدمت المعارضة هذا النفوذ لمنع توغُّل قوات النظام السوري في وادي بردى، فضلاً عن غيرها من المناطق التي تسيطر عليها، وذلك عن طريق التهديد بقطع إمدادات المياه عن دمشق.

ويبدو أن هذا حدث عدَّة مرَّاتٍ، لا سيَّما في السادس من يوليو/تموز 2015، عندما قطع مجلس شورى وادي بردى إمدادات المياه لعدة أيامٍ، ردَّاً على هجوم النظام على مدينة الزبداني بريف دمشق.

ولذا، فإنَّ الوضع حول ينابيع عين الفيجة ليس معادلةً صفرية: فإذا حاول النظام السيطرة على منطقة وادي بردى فإنَّه يكون بذلك قد خاطر بقطع إمدادات المياه عن دمشق، أكبر مدن سوريا، بينما إذا ألحقت المعارضة ضرراً دائماً بينابيع المياه تكون بذلك قد خسرت نفوذها، وخاطرت بإتلاف ما في جعبتها. وهذا ما يجعل الوضع الراهن هو الخيار الأقل مخاطرةً لكلا الطرفين، فتستمر المعارضة في سيطرتها على إمدادات المياه، بينما النظام يحصل على مياه الشرب لمنطقة حوض دمشق.

 

الادِّعاءات والبحث في وسائل الإعلام مفتوحة المصدر

 

بالرغم من تأكيد النظام أنَّ المعارضة هي التي سمَّمت النبع، يبدو أنَّ هناك جانباً كبيراً من الإعلام يُظهِر حدوث قصف في عين الفيجة وحولها في الـ23 من ديسمبر/كانون الأول، فضلاً عن ضررٍ لحق بالبناء الذي يغطّي فوّهات النبع نفسها. وهناك كذلك أدلَّةٌ على أنَّ المعارضة قد أعدّت جزءاً من البنية التحتية للنبع للتدمير خلال أو قبل الـ25 من ديسمبر/كانون الأول.

 

أدلَّة القصف في الـ23 من ديسمبر/كانون الأول

 

بالنظر إلى المواد الإعلامية المتاحة، وادِّعاءات المعارضة، يظهر أنَّه كان هناك قصفٌ قامت به قوات النظام في الـ23 من ديسمبر/كانون الأول على وحول موقع منشأة النبع. وهو ما يظهر في ما كتبه أحد مستخدمي تويتر: "أسقطت مروحيات الأسد براميل متفجِّرةٍ شبيهةٍ بقنابل النابالم هذا الصباح على عين الفيجة وبسيمة في وادي بردى بريف #دمشق".

ويُظهر فيديو نُشِر الساعة 16:04 في الـ23 من ديسمبر/كانون الأول أضراراً في عين الفيجة قريباً من الينابيع:

ويُظهر الفيديو أعلاه أنَّ المنشأة التي توجد داخلها الينابيع، المحدَّدة بالإطار الأزرق، لم تكن قد تضرَّرت وقت تحميل الفيديو على الإنترنت. لاحظوا الجانب الأيسر من المنشأة المحدَّدة باللون الأزرق في الموقع الجغرافي في الفيديو، والتي سنرى أنَّها تضرَّرت في صورٍ لاحقةٍ.

 

الأضرار التي لحقت بمنشأة النبع

 

باستخدام المواد الإعلامية الحرة المتاحة على مواقع تويتر، وفيسبوك، ويوتيوب، يتَّضح أنَّ المنشأة التي تغطّي النبع قد تضرَّرت بشكلٍ كبيرٍ خلال أو بعد الـ23 من ديسمبر/كانون الأول. وهناك العديد من مقاطع الفيديو، وكذلك الصور، التي تظهر تلك الأضرار:

وبالأسفل نرى صور الأقمار الصناعية التي تقارن 25 أكتوبر/تشرين الأول 2016 بـ26 ديسمبر/كانون الأول 2016. لاحظوا الضرر الواضح، بالإضافة إلى ما يبدو أنَّه حفرةٌ مُحدَّدة باللون الأحمر بالقرب من مخرج النبع. (بترخيصٍ من شركة "ديجيتال جلوب" الأميركية)

 

 

مقطع فيديو يُظهِر القصف

 

هناك أيضاً مقطع فيديو يظهر قصفاً ناتجاً عن هجومٍ من نوعٍ ما قريبٍ للغاية من منشأة النبع. ونظراً إلى كوْن المقطع عُرِض كجزءٍ من أحد تقارير قناة الجزيرة الإخبارية، فإنَّه ليس من الممكن التحقُّق من تاريخ تحميله على الإنترنت.

ويجب الإشارة إلى أنَّ هذه القذيفة تبدو متَّجهةً إلى جنوب شرق المنشأة الفعلية للنبع، بينها وبين المبنيين المُحدَّدين باللون الأزرق. وهذا يجعل منطقة الإصابة في نطاق 80 متراً من المنشأة الأساسية للنبع، ويجعل منها السبب المُحتمَل للحفرة التي شُوهِدت في صور الأقمار الصناعية التي تعود لـ29 ديسمبر/كانون الأول 2016.

ويُظهر مقطع الفيديو أيضاً قذيفةً ثانيةً تسقط، وترتطم بمنشأة النبع نفسها.

وعلى الأرجح هذه القذيفة الثانية هي سبب الضرر الكبير الذي لحق بمنشأة النبع كما رأينا. ويمكننا أن نرى من مقطع الفيديو أنَّها ترتطم بالطرف الجنوبي للمنشأة، الذي يجاور حفرةً على السطح يمكن أن نراها في صور الأقمار الصناعية.

واعتماداً على نوع الصمام الذي كان في القذيفة، فإنَّ القذيفة ربما تكون قد انفجرت داخل المنشأة، متسبِّبَةً في الضرر الكبير بالقسم الأوسط من السقف.

 

مزاعم تدمير النبع من قِبَل المعارضة

 

هناك أيضاً مقطع فيديو نُشِر على حسابٍ خاص على موقع فيسبوك لشخصٍ من المعارضة يُسمّي نفسه أبوطالب بردى. ويبدو أنَّها تُظهر المعارضة أثناء تفخيخها لنفق المياه المتَّجه إلى دمشق من أجل تدميره في حال حاول النظام السيطرة على وادي بردى. حُمِّلَ هذا المقطع على الإنترنت في الـ25 من ديسمبر/كانون الأول الساعة 11:51، رُغم أنَّه ربما يكون قد صُوِّر قبل ذلك. وينص الوصف المكتوب على المقطع على:

"ليعلم الجميع أنَّ حياة المنافقين في دمشق ليست بأغلى من حياة #طفل من #وادي_بردى. يفخِّخ الثوار الآن أحد أنفاق مياه #عين_الفيجة المتَّجهة إلى العاصمة #المحتلة_دمشق، وفي حال استمرار المرتزق #قيس_فروة قائد الحملة الهمجية على قرى #وادي_بردى في الهجوم عليها، سوف يتم تفجير جميع #الأنفاق الرئيسية، ولن تعود أبداً".

وهناك أيضاً صورةٌ نُشرت من قِبَل نشطاءٍ مؤيِّدين للنظام يُزعَم أنها توضح تباهي أبوطالب بتفجير المنشأة:

وبالنظر إلى أنَّ أبا طالب لا يبدو متردِّداً في عرض استعدادات المعارضة لتفجير نفق المياه المتَّجِه إلى دمشق، فعلى الأرجح لو كانت المعارضة هي من دمَّرت نفق المياه بالفعل، لكان أبوطالب وضع منشوراً حول ذلك.

ومع ذلك، لا يُظهر البحث في محتوى حسابه على موقع فيسبوك أية مؤشِّراتٍ على أنَّ المعارضة نفَّذت خطة الطوارئ الخاصة بها (تفجير نفق المياه). وتتجاهل هذه الرواية كذلك منشوراً آخر لأبي طالب يظهر في الصورة التالية، يعود تاريخه إلى 23 من ديسمبر/كانون الأول الساعة 19:21، يُلقي فيه باللوم صراحةً في تلويث المياه على قصفٍ قام به النظام السوري. ويتناقض ذلك مباشرةً مع المنشورات التي انتقاها النشطاء المؤيِّدون للنظام.

 

النقاش

 

بعد البحث في وسائل الإعلام مفتوحة المصدر حول هذه الحادثة، يمكننا الخروج بعدَّة استنتاجاتٍ:

1. ينابيع عين الفيجة موردٌ متنازع عليه، وسبق للمعارضة أن قطعت إمدادات المياه بغرض وقف هجمات النظام.

2. جهَّزت المعارضة خلال، أو بعد الـ25 من ديسمبر/كانون الأول، النفق بين ينابيع عين الفيجة ودمشق للتدمير.

3. كان هناك قصفٌ للنظام على وحول محيط ينابيع عين الفيجة في الـ23 من ديسمبر/كانون الأول، ما أدَّى إلى أضرارٍ في مباني المنطقة والبنية التحتية.

4. هناك مقطع فيديو يُظهِر القذائف وهي تسقط قريباً للغاية من منشأة النبع، فضلاً عن سقوطها على المنشأة ذاتها، رغم أنَّه لا يمكن تحديد وقت وتاريخ تصوير المقطع.

5. ألقى الشخص نفسه، أبوطالب بردى، المنتمي للمعارضة، والذي أظهر النفق أثناء إعداده للتدمير، باللوم صراحةً في أزمة المياه الحالية على قصفٍ من قِبَل النظام.

وبالنظر إلى قصف النظام للمنطقة المحيطة بالنبع، وأيضاً أدلَّة الفيديو حول القذيفة التي تسقط على منشأة النبع ذاتها، يكون السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أنَّ النظام كان مسؤولاً عن الضرر الذي لحق بمنشأة النبع. وربما كان هذا القصف كذلك على الأرجح هو سبب اختلاط زيت الديزل بإمدادات المياه، إمَّا عن طريق صهريج وقود متضرِّر، أو مولِّد متضرِّر، أو غير ذلك.

وإذا كانت المعارضة راغبةً في قطع إمدادات المياه، كان يمكنها ببساطة أن تَسُد أو تُحوِّل مسار النبع، كما فعلت في الماضي.

ويبدو أن تجهيز أحد الأنفاق للتدمير هو عملٌ من أعمال الردع، يوفر للمعارضة سلاحاً قوياً في حالة هجوم النظام. فتدمير منشأة النبع ذاتها يسلب المعارضة أي نفوذٍ لديها، ومن شأنه أن يمنح النظام سبباً لبدء الهجوم من أجل السيطرة على وادي بردى.

وبالنظر إلى القتال العنيف الدائر حول وادي بردى، يبدو أنَّ الضرر الذي لحق بينابيع عين الفيجة قد أشعل بالفعل هجوماً للنظام على المنطقة.