تتخذ المواجهة بين النظام المصري والسلفيين منحى تصاعديا في ظل إصرار نيابي على تحجيم حضورهم في المشهد الدعوي والإفتائي.

ووضعت لجنة الشؤون الدينية في البرلمان المصري، الأربعاء، لمساتها قبل الأخيرة على قانون تنظيم إصدار الفتاوى وتجريمها على غير المتخصصين، تمهيدا لعرضه على الجلسة العامة والتصديق عليه قريبا.

ويحظى المشروع بتأييد واسع من جانب النواب، وينص على سجن كل منتم إلى تيار ديني أو جماعة أو شخص يصدر فتاوى بخلاف هيئة كبار العلماء بالأزهر ودار الإفتاء.

وكان علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، تحدث قبل أيام عن أن “مصر قد ضاقت ذرعا من تلك الفتاوى المضللة التي تثير الفتنة وتعادي الأقباط”، في إشارة إلى الفتاوى التي صدرت عن بعض شيوخ السلفية بأن معايدة المسيحيين حرام وأن الاحتفال بأعيادهم ضد الدين الإسلامي، ما أثار غضب الأقباط لا سيما بعد حادث تفجير كنيسة البطرسية وسط القاهرة، منتصف ديسمبر.

وقال مصدر برلماني باللجنة الدينية في البرلمان لـ“العرب” إن فتاوى غير المتخصصين من السلفيين والمتشددين فكريا وعقائديا تعدت كل الخطوط الحمراء، وأصبحت وسيلة لبث الفتن والتطرف ونبذ الآخر والتكفير في المجتمع، وتوحيد جهات الإفتاء سوف يقضي على الكثير من المشكلات والقضايا الشائكة.

وضاعف السلفيون من جهودهم على الساحة الدعوية منذ ضيّقت وزارة الأوقاف الخناق عليهم بالمساجد. ووجدوا في الفتاوى الملاذ الآمن لمخاطبة قواعدهم الشعبية وتوسيع انتشارهم بالمجتمع.

ويلاحظ خلال الأشهر الأخيرة تزايد الامتعاض والتبرم من السلفيين، بعدما بلغت فتاوى شيوخهم حد تكفير بعض التنويريين في المجتمع والدعوة إلى هلاكهم والقضاء عليهم، وكان آخرها فتوى ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوى السلفية، بخروج جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، عن “الملّة” ودعا إلى “هلاكه والفتك به”، على خلفية قراره بحذف خانة الديانة من أوراق الطلاب، ومنع ارتداء الأستاذات بالجامعة للنقاب وقت المحاضرات.

ويرى باحثون في الشأن الديني أن منع شيوخ السلفية من الإفتاء، والقضاء على الفتاوى المتطرفة والمتشددة لهذه الجماعات خطوة أولى على طريق تجديد الخطاب الديني.

وأكد مراقبون أن خطوة البرلمان، تشير إلى أن “خريف الغضب” تجاه التيار السلفي، قادم لا محالة، وقد يتسع مجال الإقصاء من المشهد الديني والسياسي أكثر من ذلك قريبا.

وقال هؤلاء إنه منذ دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى تجديد الخطاب الديني، اتخذ السلفيون موقفا مضادا لفكرة التجديد من الأساس، وعندما حاول ترميم العلاقة مع الأقباط، بعد تدهورها إبان حكم الإخوان، أصدر السلفيون فتاوى مضادة، سواء بتحريم معايدة المسيحيين، أو بالتصدي لبناء كنائس جديدة، ما تسبب في أكثر من حادثة فتنة.

وحتى وقت قصير، كانت تبدو العلاقة بين التيار السلفي والنظام المصري عصيّة على الفهم لدى الكثيرين، لا سيما وأن شيوخ “السلفية” لم يتوقفوا عن اصطناع الأزمات وإثارة الجدل الديني والسياسي، منذ الإطاحة بنظام حكم جماعة الإخوان، عقب ثورة 30 يونيو 2013، على الرغم من تحرك الحكومة في كل الاتجاهات لرأب الصدع الداخلي، بعيدا عن الجدل وإثارة المزيد من الأزمات.

وخلال الآونة الأخيرة، أثيرت علامات استفهام عديدة من جانب قطاع عريض من النظام، ومن المفكرين والمثقفين، حول سر صمت الحكومة على الحراك السلفي المضاد لكل ما من شأنه تهدئة الأزمات أو احتوائها.

وذهب هؤلاء إلى أن السلفيين يستمدون قوتهم، من أنهم يمثلون إحدى الركائز الأساسية، التي بنى عليها النظام شرعيته، لا سيما وأن يونس مخيون، رئيس حزب النور، كان أحد الذين شاركوا في خارطة الطريق، التي أنهت حكم الإخوان، وبالتالي يعتبرون أنفسهم شركاء في الشرعية والحكم حاليا.

وقال ثروت الخرباوي، القيادي السابق في جماعة الإخوان، لـ“العرب” إن قوة السلفيين في مصر متشعبة، وبدأت مع النظام الحالي، عندما وافقوا الدولة على النهج المعادي للإخوان، ومن ثم استمدوا أهميتهم من أنهم يواجهون الجماعة، رغم أن ذلك غير صحيح.

وترى آمنة نصير أستاذة الفقه بجامعة الأزهر وعضو مجلس النواب، أن تحجيم دور السلفيين الدعوي والإفتائي بتشريع قانوني صارم، سوف يكون ضربة قاصمة لهم، لأنهم يفتون لصالح أجندات خاصة يحاولون من خلالها اختراق المجتمع وفرض فكرهم الأصولي على الناس.

وقال محمود عامر، الباحث في شؤون الإسلام السياسي، إن السلفيين يدركون مدى حاجة الدولة إلى وجود ممثل للتيار الإسلامي في المشهد السياسي، وبالتالي يلعبون على هذا الوتر ويتحركون بحرية، والدولة من جانبها، لا تريد أيضا أن تقضي عليهم بشكل كامل، حتى لا تتهم بأنها تقصي الإسلاميين.

وأضاف لـ“العرب”، أن الامتداد السلفي في المناطق الريفية والشعبية، أوجد لهم نفوذا اجتماعيا، يضاف إليه نفوذ وشعبية جمعيات أنصار السنة المحمدية، والجمعيات الشرعية بالمساجد، ما جعلهم يشكلون كيانات متعددة في المجتمع، كأسس يستمدون منها قوتهم.

وأشار متابعون إلى أن تحرك الحكومة، خلال الأشهر الأخيرة، نحو إقصاء الكثير من التيارات والشخصيات التي ساهمت في الإطاحة بنظام الإخوان، لافتعالهم أزمات بشكل أو بآخر، يعني أنه من غير المستبعد، أن تتبع نفس النهج مع التيار السلفي، حتى وإن كان أحد الداعمين لثورة يونيو.

 

 

العرب