العراقيّون مُنشغلون بالحرب التي تشنّها حكومتهم بدعم من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب على داعش لاستعادة الموصل منها.
 

 وسياسيّوهم وأحزابهم وقادتهم مُنشغلون، إلى ذلك، بمبادرة "التحالف الوطني العراقي الشيعي للتسوية الوطنية" التي بدأت العمل عليها شخصيّات عدّة منها الوزير السابق السيد ابرهيم بحر العلوم. والداعي إلى الإنشغال كان ردود الفعل عليها إعلاميّاً وسياسيّاً أولاً في الأوساط السُنيّة العراقيّة، وثانياً في أوساط المرجعية العُليا في النجف. فـ"سُنّة الحكم" أبدوا تجاوباً مبدئياً. وسُنّة خارج الحكم عبّروا عن احتجاجهم ورفضهم في وسائل الإعلام. وحصل لغط في شأن موقف المرجعيّة. فقريبون منها اعتبروا أن آية الله السيد علي السيستاني "اعتذر عن استقبال "وفد التحالف الوطني" الذي أراد البحث معه فيها، وأن التحالف أراد زجّها في موضوع التسوية وسماحته لا يرى مصلحة في ذلك". أثار ذلك ضجّة فاضطرّ هؤلاء إلى إصدار بيان يفيد "أن سماحة السيد لم يبدِ أي موقف تجاه المشروع المطروح وأنه تم إبلاغ ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة وسائر الجهات المعنيّة بأنه لا يرى مصلحة في زجّ المرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف فيه، بل يرى أن على القوى السياسيّة أن تتحمّل كامل المسؤولية عنه أمام الشعب بتفاصيل بنوده وتوقيت طرحه وتوفير فرص نجاحه وغير ذلك".
فهل هناك مشروع "تسوية وطنيّة" حقيقيّة وضعه أو تبنّاه "التحالف الوطني" الشيعي بغالبيّته الساحقة؟ وإذا كان هناك مشروع كهذا فكيف انطلق، وما هي الخطوات التي سارها، وأين أصبح الآن؟
المعلومات المتوافرة عن هذا الموضوع تشير إلى أن السيد بحر العلوم كان يفكّر فيه. فدعا إلى اجتماع حضره "التيار الصدري" و"المجلس الأعلى" و"حزب الدعوة" ولجنة المصالحة الوطنيّة التابعة لمجلس الوزراء. تناول الحديث مستقبل العراق وضرورة أن يكون لشيعته رؤية لمستقبله بعد التخلّص من "داعش"، ودور فيه. استمر الاجتماع قرابة 4 ساعات. وبعد ثلاثة أسابيع عقد اجتماع ثانٍ طرح المشاركون فيه رؤية الشيعة لمستقبل العراق. وحصل نقاش طويل تناول أزمة البرلمان العراقي والحكومة وكل الإشكاليّات المطروحة. وبدا من ذلك وجود نوع من استجابة عند الجميع للفكرة وللعمل عليها رغم بعض التهيُّب ذي الأسباب المتنوّعة والمعروفة، وأبرزها هويّة الفريق الذي سيحمل راية مشروع التسوية ويقود مسيرة إقناع المكوّنات العراقيّة الأخرى بها، وكذلك المرجعيّات الخارجيّة المعنيّة وفي مقدّمها الأمم المتحدة ثم تنفيذها.
في غضون ذلك، تفيد المعلومات إيّاها أن لقاء جرى بين بحر العلوم وممثّل الأمم المتحدة في العراق الذي كان يعمل مع فريقه على بلورة رؤية سُنيّة مُوحّدة لوضع البلاد ومستقبلها. وكان رأي الأول أن من الأفضل وضع رؤية شيعيّة مُوحّدة والسعي إلى تسويقها سُنيّاً باعتبار الشيعة يشكّلون غالبيّة الشعب العراقي، وهم مُمسكون بالدولة حالياً. فطلب الممثل الأممي التفكير في الأمر. وحصل اجتماع آخر بين الاثنين أيام معركة تحرير الرمادي من "داعش" فأبدى الممثّل إعجابه بمشروع التسوية واستعداده للعمل عليه وطلب الاجتماع مع "التحالف الشيعي". عُقد هذا الاجتماع في شهر تموز الماضي ودار نقاش تخلّله عتاب وطرح مخاوف القوى السياسية الشيعيّة. فطلب ممثل الأمم المتحدة من "التحالف" بلورة رؤية المرحلة المقبلة بعد تحرير الأنبار والموصل، وطلب اجتماعاً آخر يُعقد في مرحلة لاحقة. وكان المجتمعون يومها متّفقين على أن المشروع المستقبلي هو التسوية السياسيّة وعلى ضرورة أن تكون هناك رؤية شيعيّة لها. فـ"انتُخِب" خمسة أشخاص يمثّلون القوى الشيعيّة الرئيسيّة واجتمعوا بعد شهر لمناقشة ما توصّل إليه كل منهم من أفكار. أُعلم قادة "التحالف" بكل التفاصيل ومنهم رئيس الحكومة حيدر العبادي والرئيس السابق للحكومة نوري المالكي و"حزب الدعوة" و"الفضيلة" والصدريّين وهادي العامري.
في الـ 25 من آب الماضي أُنجزت الورقة (المشروع) فقُدّمت إلى ممثل الأمم المتحدة الذي قدّم بدوره لبحر العلوم وآخرين الورقة التي أعدّها وفريقه. فلاحظ أنها جيّدة ومُتماسكة وتشتمل على ضمانات والتزامات. طبعاً أُدخِلت عليها تعديلات بسيطة ثم أعلن استعداده لتبنّيها. لكن بحر العلوم طلب منه أمرين. الأول التواصل مع النجف أي المرجعيّة الدينية وإعلامها بما جرى. والثاني توجيه رسالة إلى قادة "التحالف الوطني" كلّهم تشرح ما عُمِل والاتفاق الذي تم التوصّل إليه وتطلب دعمهم له. وبالفعل سلّم الممثّل الأممي 8 رسائل إلى قادة التحالف بواسطة السيد بحر العلوم. ماذا جرى بعد ذلك؟