في شهر تشرين الأول المنصرم، وبينما كانت نيران الثأر تتسلّل إلى مواقد العائلات البقاعية، قرّر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أن يتدخل شخصياً بملفات منطقة البقاع مع عشائرها وعائلاتها، فكان اللقاء الذي عقد في أواخر الشهر المذكور وأتى بعد سياقٍ طويل من التنسيق بين نواب ومسؤولي حزب الله مع فعاليات المنطقة، وكان المراد منه يومها ترجمة التوصيات التي تم التوصل إليها في الإجتماعات الجانبية إلى فعل يدخل حيز التنفيذ.

لم يمر وقت طويل على تلك الإطلالة التي قيل أنها سترسم الخطوط الأولى في مسألة معالجة قضايا الثأر والمسائل العالقة مع الدولة اللبنانية، حتى أتتها الإنتكاسة الأولى بعد عملية الثأر التي نفذها مسلحون من آل جعفر وإستهدفت عسكرياً في جهاز المخابرات في الجيش اللبناني. تكفل حزب الله بموضوع المساعدة في حل أمور البقاع بوضع الأمر على عاتقه لا بل تحت إشراف نصرالله شخصياً والغاية إيجاد الأرضية المناسبة لحل ملفات ما يقارب الـ 50 ألف مطلوب في منطقة مشهورة بالحرمان المزمن، حيث طُلب يومها من وجهاء العائلات ضبط الأمور كي يتسنى للحزب أن يتحرك براحة ودون عراقيل وكي لا تسقط محاولاته لحل العقد. 

لم تتضمن النكسة بقتل العسكري، الإنتكاسة الأولى للمشروع فقط، بل حمل الفعل وبغض النظر عن مبادئ الحق والمظلومية التي ينادي بها آل جعفر أو غيرهم هنا، طعنةً في ظهر السيد حسن نصرالله وتعدياً على ردائه كونه وعِدَ بالحل فبادر ونسق وسعى ووضع نفسه بالخدمة وهو الذي كان المبادر إلى محاولة العمل على تسوية أوضاع المنطقة وأهلها فأتته المزمّة من البعض الذي لا يبدو أنه سيدخل في "مرحلة الهدوء" والتخلي عن العقليات البائدة.

خلال لقاء نصرالله المتلفز يومها مع أفراد ورؤساء عشائر البقاع، ذكّرهم بالميثاق الموقع بينهم وبين الإمام السيد موسى الصدر، وقوله لهم إنه "إذا كانت قضية الثأر لا تُحل إلا إذا أخذتموني وقتلتموني لتفشوا خلقكم (تنفسون عن غضبكم)، وحتى جماعة الثأر يأخذوا ثأرهم، فأنا حاضر".

وحذر نصر الله خلال اللقاء من أن ما حدث في الأشهر القليلة من ناحية العدد والنوع كان مزعجاً ومخيفاً، بحيث إن أهل المنطقة يشعرون بالخوف على أنفسهم وعائلاتهم وممتلكاتهم، موضحاً أنه في بعض المناطق أصبح الأهالي يتجنبون الخروج ليلاً.

واعتبر أن هناك من يُريد أن يشوه سمعة المنطقة وأهلها، مشيراً إلى أن هذه المنطقة احتضنت المقاومة وضحّت بخِيرة علمائها، على رأسهم السيد عباس الموسوي، الأمين الراحل لحزب الله، الذي اغتالته إسرائيل عام 1992.

وحثهم السيد نصرالله يومها على "ضبط النفس" و "معالجة المسائل العالقة دينياً وعدم الركون خلف الغرائز المحرمة"، لكن لا حياة لمن تنادي. إن الذي أعلنه الأمين العام لحزب الله يومها، كان ليكون مقدمة لحل مختلف قضايا المنطقة التي ينادي بها أساساً الأهالي، ولكن كيف ستتم هذه المعالجة طالما أن البعض لا يفقه في الحياة سوى لغة القتل والبطش وتجاهل المحاذير الدينية والأهلية والضرب بعرض الحائط مصلحة أهله ومنطقته؟ 

إن ما جرى بعيد إطلالة الأمين العام لحزب الله وعمله الدؤوب لإنهاء هذه الظواهر، لهو معيب أولاً على أهالي منطقة مشهورة بالوفاء، وثانياً مهين لمن يعتبرون أنفسهم أبناء عشائر يعتبرون أن النكث في العهد عار.. فأين أنتم من النكث بالعهود المقطوعة أمام من أوليتموه ثقتكم؟

 


عبدالله قمح: ليبانون ديبايت