في ظل فشله في تحسين العلاقات مع السعودية، وتحوله إلى عبء اقتصادي على دول خليجية أخرى، أصبح رهان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ينحصر بين الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. ويبدو من مواقفه الخارجية أنه يتصور إمكانية الجمع بين رضا أميركا وروسيا في السنوات المقبلة، رغم الخلافات الجذرية بين واشنطن وموسكو في العديد من الملفات الدولية. ويرى دبلوماسيون مصريون، تحدثوا إلى "العربي الجديد"، أن رهان السيسي على استمرار إرضاء واشنطن وموسكو بشأن العلاقات مع إسرائيل بالنسبة للأولى، ونظام بشار الأسد بالنسبة للثانية، سيكون خاسراً، وقد يكلف القاهرة أثماناً فادحة، كتلك التي تدفعها الآن بسبب محاولات السيسي إرضاء السعودية وروسيا معاً بما يتعلق بالملف السوري، قبل أن تحسم الرياض موقفها وتنبذه عقاباً له على دعم الموقف الروسي في مجلس الأمن.

 

ويبدو السيسي مُصراً على تصفير الدور المصري مجدداً في القضية الفلسطينية، كما أدت سياساته المرتبكة بين الرياض وموسكو إلى تصفير الدور المصري في الملف السوري. ويؤكد الدبلوماسيون المصريون أن "السياسة الخارجية المصرية، في عهد السيسي، انتقلت من كونها تابعة، أو تدور في فلك بعض القوى الدولية والإقليمية، إلى مجرد كتلة في الفراغ بلا اتجاهات وبلا مضمون"، في إشارة إلى الموقف المصري السلبي في مجلس الأمن بشأن سورية والمستوطنات الإسرائيلية. ويلفت مصدر دبلوماسي في ديوان وزارة الخارجية النظر إلى أن "السيسي لم يتعلم من درس تصويته على مشروعين متناقضين بشأن الحرب في حلب، ما كلفه خسارة الإمدادات البترولية السعودية منذ سبتمبر/ أيلول الماضي وحتى اليوم، لدرجة اعتبار الحكومة المصرية أن اتفاقها مع السعودية أصبح لاغياً، وهو ما سيكلف الخزانة المصرية المرهقة مزيداً من التكاليف للحصول على إمدادات بترولية". ويضيف "الموقف نفسه تكرر في ملف المستوطنات، بسحب اسم مصر كدولة متقدمة بالمشروع نيابة عن المجموعة العربية، وهو أمر لا ينعكس فقط على صورة مصر في محيطها العربي وتراجعها المستمر قدراً وقيمة، لكنه أعطى رسالة سلبية للدول الغربية، مفادها أن مصر لا تملك شيئاً لتعطيه، وليس بيدها أي قرار لتفرضه أو تفاوض عليه، فهي كالقشة في مهب الرياح الدولية المتضاربة".
وتعكس هذه الخسارة فقدان مصر، في عهد السيسي، ثقلها السياسي الذي كان محفوظاً بدرجات متفاوتة في العهود السابقة، وحتى في العام الذي قادها فيه الرئيس المعزول، محمد مرسي، والذي ترك بصمة في محيطه الإقليمي، خصوصاً بنجاح المبادرة المصرية لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة في العام 2012 بدعم أميركي. وكانت القاهرة وقتها محط أنظار القوى المرتبطة بهذه القضية، وهو ما لم يحدث بعد ذلك في أي قضية إقليمية أخرى. كما أن موقف مصر المؤيد للثورة السورية والمعارض لاستمرار بشار الأسد في الحكم، حتى عزل مرسي، كان يعبر بوضوح عن اتجاه ساد الشارع المصري في فترة ثورات الربيع العربي، ويتكامل مع مواقف قوى إقليمية أخرى، كالسعودية وقطر وتركيا، ما أعطى القاهرة آنذاك ثقلاً في هذا الملف، وكانت مواقفها الدبلوماسية من بشار محط أنظار واشنطن وموسكو. لكن هذا تغير بعد اختيار السيسي تحييد الموقف المصري من 2013 إلى 2016، ثم تحوله تدريجياً لمساندة بشار الأسد، وصولاً للتنسيق الأمني والاستخباراتي معه، برعاية روسية.


ويقول مصدر دبلوماسي مصري، في إحدى العواصم الأوروبية الرئيسية، إن "الصورة السائدة عن السيسي في الخارج، هي أنه ليس لديه ما يقدمه في أي ملف، وأنه مشغول بأزماته الداخلية، بسبب سوء إدارته الاقتصادية والسياسية للبلاد". وأشار إلى أن هذه الصورة انعكست على عدم توجيه أي دعوة للسيسي لزيارة عواصم أوروبية كبرى خلال 2016، وأن التنسيق الذي كان قائماً في ملفي التصدي للهجرة غير الشرعية والأزمة الليبية تراجع بشدة، خصوصاً مع دول كإيطاليا وألمانيا وفرنسا. ويرى المصدر أن استمرار السيسي بالمراهنة على ترامب وبوتين معاً "يهدر إمكانيات مصر، ويضيع فرصاً عديدة لإيجاد مكانة دولية لها". وعلل ذلك بأنه لا توجد ضمانة واحدة لتعظيم استفادة مصر اقتصادياً أو عسكرياً أو سياسياً من واشنطن بعد تولي ترامب منصبه، نظراً لافتقار ترامب للسلطة والتأثير الذي من الممكن أن يغير سياسة المساعدات الأميركية لمصر، والتي تقوم عليها أجهزة متعددة، على رأسها الكونغرس والاستخبارات ووزارة الدفاع. كما أنه من المرجح أن يضرب التأزّم العلاقات الأميركية الروسية مرة أخرى بشأن الملفين السوري والليبي تحديداً، برغم أن ترامب كان المرشح المفضل لبوتين.

وتوقع المصدر أن يؤثر وجود ترامب إيجابياً على السيسي في نقطة واحدة، لا علاقة لها بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية، ألا وهي "تخفيف الضغوط الأميركية عليه في ملف الحريات وحقوق الإنسان داخل مصر، والتراخي تجاه أي نوايا تظهر لدى السيسي لتعديل الدستور لضمان بقائه في السلطة من دون ضوابط، أو اتباعه أساليب غير نزيهة لتجديد فترته الرئاسية". وأشار إلى أن المشكلة الرئيسية بين السيسي والرئيس الأميركي الحالي، باراك أوباما، هي أن الإدارة المحيطة بالأخير لم تكن ترى السيسي إطلاقاً كزعيم ديمقراطي، أو شخص يمكن الوثوق فيه في مجال حقوق الإنسان، خصوصاً بعد تعامله العسكري مع اعتصامات جماعة الإخوان المسلمين في صيف العام 2013، ثم فرضه قيوداً عديدة على عمل المجتمع المدني.

وفي السياق، يقول مصدر دبلوماسي آخر في نيويورك إن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى واشنطن، ولقاءات الدبلوماسيين المصريين مع إدارة ترامب طوال 2016 أكدت وجود تقارب بين السيسي وترامب "لكن ليس للدرجة التي يمكن الرهان عليها لتحسين الأوضاع الاقتصادية في مصر"، مشدداً على أن الوضع في الولايات المتحدة أكثر تعقيداً من الوضع في روسيا. ويوضح أن "النظام السياسي الأميركي أكثر مؤسسية من الروسي. وعلى الرغم من أن علاقة السيسي ببوتين جيدة، إلّا أن الأخير لم يستطع حتى الآن مخالفة توصيات الأجهزة الروسية المختصة بعدم استئناف رحلات الطيران والسياحة بين البلدين، على خلفية حادث إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، ولم تبدأ روسيا حتى الآن بإرسال دفعات قرض المحطة النووية لمصر. وبتطبيق مثل هذه الحالة على الولايات المتحدة، فإن ترامب لا يمكنه تخطي دوائر وسلطات عديدة في النظام الأميركي لمجاملة السيسي أو تنفيذ وعود غير واقعية". يذكر أن الرئاسة المصرية أعلنت أن السيسي تلقى دعوة من ترامب لزيارته في واشنطن قريباً، وهي أول دعوة رسمية لزيارة البيت الأبيض يتلقاها السيسي منذ توليه منصبه. ورجحت مصادر مصرية، لـ"العربي الجديد"، منذ أيام، أن تتم الزيارة في مارس/ آذار أو إبريل/ نيسان المقبلين.