خلال ساعات قليلة من وقوع حادث تفجير الكنيسة البطرسية بمصر والذي أسفر عن مقتل 28 قبطياً وإصابة العشرات، تمكن الأمن المصري من الوصول لهوية منفذ التفجير، وأعلن عن اسمه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته في تشييع جثامين الضحايا في اليوم التالي للحادث.

مصادر أمنية كشفت عن الخطوات التي اتبعتها للوصول للجاني وتحديد هويته.

فقد وصل البلاغ الأول للأمن في تمام الساعة التاسعة و57 دقيقة من صباح يوم الأحد، ويفيد بوقوع تفجير في الكنيسة البطرسية وقت إقامة الصلاة وعلى الفور انتقلت عدة فرق من البحث الجنائي والأدلة الجنائية والمعمل الجنائي والثلاثة يتبعون جهاز الأمنالفرق الثلاثة قامت بعدة خطوات مهمة تشمل معاينة مسرح الجريمة والجثث وفحصها ورفع أيه بصمات أو أدلة، والحصول على كافة المحتويات التي يمكن الاستفادة منها في التحقيق، وكان أول ما لفت انتباه فرق البحث هو العثور على حزام ناسف ووجود جثتين عبارة عن أشلاء متناثرة دون باقي الضحايا إضافة للعثور على رأس لشاب وأحشاء متناثرة لآخر.

في تمام الساعة الثانية عشرة، كانت غالبية الجثث ومعها أشلاء الجثتين الأخريين موزعة في عدة مستشفيات، هي "دار الشفاء" و"الدمرداش" و"الزهراء"، وكانت هناك فرق أخرى وصلت للمستشفيات للمساعدة في الفحص والتحليل والتعرف على هوية المتوفين وهي فرق الطب الشرعي.

غالبية الجثث تم التعرف عليها خلال ساعات قليلة من جانب أقارب الضحايا الذين توافدوا على المستشفيات، وتم التعرف على صاحب أشلاء الجثة المجهولة الأولى، وتبين أنه نبيل حبيب خادم الكنيسة من المنيا ويعمل بالكنيسة منذ 20 عاماً، ولم يتبق سوى أشلاء أخرى لشاب مفصول الرأس والساقين تم تجميعها وتركيبها وتحديد ملامح وجهه فعليا وإرسال صورتها لجهاز الأمن الوطني للتعرف عليه.

فرق الطب الشرعي تمكنت من تجميع الجثة الأخرى رغم أنها عبارة عن أشلاء من خلال فحص الشعر والجلد والتأكد أنها لشخص واحد، وهو الانتحاري، وتم التأكد من ذلك فعلياً حيث لا توجد آثار لباقي الجثة ابتداءً من أسفل الرقبة وحتى منتصف الساقين، فقد تهتكت تماما وتحولت لقطع صغيرة متناثرة، وهو ما يعني أن الحزام الناسف كان موضوعا في وسط الانتحاري لذا اختفت منطقة البطن والصدر منه تماماً إضافة للساقين من أعلى.

هنا بدأت الخطوة الأخرى وكانت لجهاز الأمن الوطني، حيث تبين من مراجعة سجلات وبيانات المسجلين لدى الجهاز لعناصر "جماعة الإخوان" والتيارات المتطرفة والذين لهم قضايا عنف وإرهاب أن الصورة لشاب من الفيوم يدعى محمود شفيق محمد مصطفى، وهرب من قريته بعد صدور حكم غيابي ضده بالحبس عامين في قضية عنف وحيازة أسلحة وتظاهرات، وبالكشف عنه تبين أنه عضو في تنظيم "الإخوان المسلمين"، وانضم لتنظيم "أنصار بيت المقدس" في سيناء في العام 2014 وتم تدريبه على الأعمال الجهادية والقتالية.

وكشفت معلومات الأمن الوطني أن الشاب تم تجنيده ضمن خلايا عنقودية تقوم بتنفيذ تكليفات قادة "جماعة الإخوان"، وأنه عضو في خلية تضم 6 أفراد آخرين تم القبض على أربعة منهم بالفعل، ويتم حالياً ملاحقة اثنين آخرين، وفي تلك اللحظة التي تم فيها التأكد من هوية الجاني كانت هناك قوة أمنية من مديرية أمن الفيوم تقوم بمهمة أخرى.

قوة الفيوم تمكنت من القبض على شقيق الجاني في قريته منشأة عطيف التابعة لمركز سنورس، وأكدت تلك المعلومة أن والدة الإرهابي، حيث قالت إن قوات الأمن اعتقلت ابنها الأصغر محمد ويعمل سائق "توك توك" عصر يوم الحادث دون أن تعلم التهمة الموجهه له، لكن عملية القبض عليه كما قال مصدر أمني كان لمطابقة الحامض النووي لشقيقه به، وكانت النتيجة إيجابية، وتم التأكد من الانتحاري هو محمود شفيق محمد مصطفى.

عقب ذلك كانت فرق البحث الجنائي تقوم بتفريغ الكاميرات المحيطة بالكنيسة، ومنها تم التأكد من دخول الشاب للكنيسة مرتديا جاكيت ويسير بطريقة مريبة داخلا للكنيسة، وحاملاً شيئاً حول وسطه ويقوم بإخفائه أسفل الجاكيت، وبعد دخوله بثوان معدودات وقع التفجير.

بالتوازي مع تلك الخطوات كانت فرق الطب الشرعي قد أنهت مهمتها في إكمال جثة الجاني ومعرفة نوع المادة المستخدمة في التفجير، حيث قال د. هشام عبد الحميد، رئيس المصلحة، إن عملية الحصول على عينات الجاني ومطابقتها مع شقيقه استغرقت 5 ساعات، حيث تمتلك المصلحة أحدث جهاز لتحليل الحامض النووي، وأظهر الجهاز نتائج متطابقة لا تحتمل الشك من أن الجاني هو محمود شفيق محمد مصطفى، وأنه نفذ العملية من خلال حزام ناسف.

من خلال المعلومات المتوافرة لدى جهاز الأمن الوطني تم التوصل لبعض أعضاء تلك الخلية التي كان ينتمي إليها الانتحاري، وهم علا حسين محمد، ربة منزل، وزوجها محمد عبد الحميد محاسب في بنك، وزوج شقيقتها ويدعى شريف يحيى السيد يعمل بالمراقبة الجوية، وجميعهم يقطنون في مدينة نصر، وأحمد حمزة أحمد عبد العزيز ويقيم في المطرية.

بعد تنفيذ عملية القبض على المتهمين تم إبلاغ اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية بالتفاصيل، والذي بدوره أبلغ الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقام السيسي بالإعلان عن ذلك خلال مشاركته في تشييع جثامين الضحايا.

الخبير الأمني خالد عكاشة يفجر مفاجأة أخرى ويقول إن "جهاز الأمن الوطني ومن خلال تتبعه لعناصر تلك الخلية عبر المعلومات المتوافرة لديه تمكن من التوصل لخليتين أخريين كانتا تستعدان للقيام بعمليات إرهابية كبيرة، إحداهما في دمياط وتم إجهاضها قبل تنفيذها، والأخرى في كفر الشيخ"، مؤكداً أن "خلية تتبع نفس التنظيم العنقودي كانت وراء تفجير جسر السويس شرق القاهرة، والذي أسفر عن مقتل صاحب عربة كارو.

ويضيف أن الخلية تتبع بالفعل تنظيم "الإخوان"، ويتلقى أفرادها تكليفات من قادة الجماعة في الخارج عبر قيادات وسيطة"، مشيراً إلى أن "بيان "داعش" بتبني العملية ما هو إلا لمشاركة "الإخوان" في الحصول على ثمار العملية ورغبة التنظيم في الإيحاء بقوته، وأنه وصل لقلب القاهرة، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فمنفذ العملية معروف ومسجل لدى أجهزة الأمن أنه عنصر فاعل في صفوف "الإخوان"، وسبق ضبطه في قضايا عنف نفذتها الجماعة وهرب بعد إخلاء سبيله على ذمة إحدى القضايا".

وعن سبب اختلاف اسم منفذ العملية في بيان "داعش" عنه في بيان الداخلية المصري، قال الخبير الأمني المصري، إن "الاسم الحقيقي للمنفذ هو ما تم الإعلان عنه من جانب السلطات المصرية، بينما تنظيم "داعش" ذكر اسماً حركياً هو عبد الله المصري، ويختلف عن الاسم الحركي الآخر الذي أطلقه الانتحاري على نفسه، وهو أبو دجانة الكناني، للتمويه والهروب من الملاحقة الأمنية". العام الذي يقوده اللواء جمال الباري مساعد وزير الداخلية.