فقد رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي سيطرته على حزب الدعوة، ومال ميزان القوى لفائدة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي نجح في تجميع عدد كبير من القيادات حول الدعوة إلى تنحية خصمه عن زعامة الحزب.

يأتي هذا في وقت كشفت فيه الأحداث التي رافقت جولة المالكي، الأمين العام لحزب الدعوة، في المحافظات الجنوبية عن توسع دائرة الغاضبين عليه على المستوى العراقي ككل وداخل المحافظات المعروفة بدعمها للتحالف الوطني (الشيعي) الحاكم.

وقالت مصادر مقربة من حزب الدعوة إن الجناح المقرب من العبادي يسعى إلى استغلال الضغط الإعلامي الرهيب الذي يتعرض له المالكي في بغداد، لطرح فكرة تنحيته من منصبه أمينا عاما للحزب.

وكشفت المصادر لـ”العرب” عن وجود حوارات حامية في أروقة الحزب بشأن موقع الزعامة فيه، مشيرة إلى أن جميع الأطراف تعلم أن طرح فكرة استبدال المالكي ستقود إلى انشقاق حزبي مؤكد في ظل تمسك الأمين العام بالبقاء في منصبه وسعي الشق المعارض إلى استبداله وإقالة المحيطين به.

وترى قيادات من جناح العبادي أن كلفة الاحتفاظ بالمالكي أصبحت كبيرة جدا.ويتسلح هذا الجناح بأغلبية عددية، في مقابل أغلبية نوعية يتمتع بها المالكي.

وجناح العبادي مدعوم من معظم الكوادر الشابة في الحزب، في حين يتمتع المالكي بدعم بعض القيادات التقليدية.

والعبادي مدعوم من عائلة العلاق التي تضم عضو البرلمان المعمم علي العلاق، وكذلك محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، ومجموعة وليد الحلي وطارق نجم، فيما يحظى المالكي بدعم المعمم عامر الكفيشي وخلف عبدالصمد وفائد الشمري، مع شخصيات أخرى غير معروفة، لكنها تحتكم على نفوذ مالي كبير في الحزب.

وإذا حصل انشقاق داخل الحزب فستقوده قيادات الجيل الجديد التي لن يقف انشقاقها عند حزب الدعوة، بل قد تخرج عن ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه المالكي، والذي يسعى من خلالها للعودة إلى رئاسة الوزراء.

وأسر مقربون من كواليس الحزب لـ”العرب” أن الأيام القادمة ستحسم هذا الجدل، والنتيجة لن تكون في صالح المالكي.

وكشف هؤلاء عن عرض قدم للمالكي عبر وسطاء، يقوم على احتفاظه بزعامة حزب الدعوة بشرط التخلي عن السياسة، ولكنه يعتقد أنه الرقم الأصعب في المعادلة العراقية، وأن مستقبله مضمون، لذلك رفض العرض.

وتشير أوساط حزب الدعوة إلى أن هناك شخصا مؤثرا داخل الحزب، هو الشيخ عبدالحليم الزهيري، مازال يلتزم الصمت تجاه صراع الأجنحة.

وتقول مصادر “العرب”، إن الزهيري يشعر بحرج بالغ، فهو من رشح العبادي لخلافة المالكي، وهو من يتلقى لوم الدعاة التقليديين بشأن تسببه في الأزمة الداخلية للحزب، والكثيرون داخل الحزب يعتقدون أن موقفه سيمثل بيضة القبان في هذا الجدل.

وعبر مراقب سياسي عراقي عن شكوكه بإزاحة المالكي من زعامة حزب الدعوة، وبالأخص أثناء تولي الحزب الحكم الذي أسس له المالكي بنفسه قواعد راسخة.

وقال المراقب في تصريح لـ"العرب" إن "الانشقاقات في صفوف الأحزاب الدينية نادرة، وغالبا ما تقع سرا، من غير ضجيج وقد تكون مصحوبة بتصفيات جسدية غامضة.

وأكد أن الجزء الأكبر من الدولة يدين بالولاء للمالكي الذي لا يخفي رغبته في العودة إلى منصب رئاسة الوزراء في الدورة الانتخابية القادمة.

وقلل المراقب من التوقعات عن الإطاحة بالمالكي، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء السابق لا يزال الجناح الداعم له هو القوة الضاربة داخل الحزب، لما يمتلكه من نفوذ مالي وتمدد داخل أجهزة الدولة وعلاقة متينة بأطراف مهيمنة على القرار السياسي الإيراني المتعلق بإدارة العراق.

ولتفادي التضييق عليه داخل الحزب، بدأ المالكي في التنسيق مع ميليشيا الحشد الشعبي صاحبة النفوذ الأمني والسياسي على أمل أن تقوده إلى السلطة مجددا.

وقبل جولته إلى محافظات الجنوب، أبلغ المالكي قيادات الحزب ببدء حوارات مع منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله استعدادا لتشكيل تحالف انتخابي، وهو ما اعتبره جناح العبادي قرارا إيرانيا وليس قرارا للحزب، وقد أدى الخلاف إلى تجميد الحوارات بشأن التحالف الانتخابي.

ويحاول المالكي تطويق الغضب الشعبي على سياساته بعد سيطرة داعش على أجزاء كبيرة من أراضي العراق.

واعتبرت الأوساط المقربة من حزب الدعوة أن لجوء المالكي إلى الحشد الشعبي يهدف إلى الاحتماء به في مواجهة الحملة التي يخوضها ضده التيار الصدري، والتي برزت بشكل واضح في الاحتجاجات التي قابلته نهاية الأسبوع في الجنوب.

ويسعى جناح العبادي إلى الاستفادة من المزاج الدولي والإقليمي الذي يجنح نحو المعتدلين في العراق، وهناك من يدفع في هذا الجناح نحو موقف صريح، يعلن البراءة من خط التشدد المرتبط بإيران.

ولا يجد المالكي أي دعم من المحيط الإقليمي عدا إيران. وتبدو دول الخليج الأقرب إلى العبادي خاصة أن فترة المالكي أرست حالة من الريبة بين بغداد والخليجيين.


العرب