أخرجت التعقيدات والمصاعب التي تواجهها الحملة العسكرية على مدينة الموصل، إلى السطح حقائق بشأن مسؤولية إيران عما آلت إليه المعركة التي بات كبار قادتها والمشرفون عليها سواء من الضباط العراقيين أو من قادة التحالف الدولي يتذمرون من صعوبتها ويتوقعون أن تطول وأن تسفر عن خسائر جسيمة.

وكشف تقرير حديث عن دور لإيران في تغيير الخطة الأصلية للمعركة بشكل اضطر تنظيم داعش لخوضها بشكل انتحاري من داخل الأحياء السكنية بعد أن سدّت أمامه كل طرق الانسحاب.

وقال المتحدث باسم التحالف الدولي، العقيد جون دوريان، الخميس، إن معركة الموصل قد تستمر لعدة أشهر، مؤكدا بذلك ما جاء على لسان قائد التحالف الجنرال ستيفن تاونسند في شأن صعوبة المعركة واستغراقها مدة أطول.

ونقلت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة أنه في الأيام الأولى للهجوم على تنظيم داعش في الموصل نجحت إيران في الضغط على العراق لتغيير خطته للمعركة وعزل المدينة في تدخل غيّر شكل المسار المتقلب للصراع.

وكانت الخطة الأصلية للحملة تقتضي أن تحاصر القوات العراقية الموصل بتشكيلة تشبه “حدوة الحصان” لتغلق ثلاث جبهات وتترك الرابعة وهي الجهة الغربية المفضية إلى الأراضي السورية، مفتوحة.

وهذه التشكيلة التي سبق أن استخدمت في استعادة عدة مدن عراقية من داعش في العامين الماضيين كانت ستترك للمقاتلين والمدنيين طريقا مفتوحا للهرب، وكانت ستجعل معركة الموصل تتم في وقت أسرع وبطريقة أبسط.

لكن طهران كانت تريد سحق مقاتلي التنظيم والقضاء عليهم في الموصل في ظل قلقها من أنهم قد ينسحبون عائدين إلى سوريا في الوقت الذي تتقدم فيه قوات الرئيس السوري بشار الأسد حليف إيران في حربه ضد المعارضة السورية.

وتقول المصادر إن إيران ضغطت لإرسال مقاتلي الحشد الشعبي إلى الجبهة الغربية لإغلاق المنطقة التي تربط بين الموصل والرقة أكبر معقلين لداعش في المنطقة.

وقال مسؤول كردي مشارك في عملية التخطيط لمعركة الموصل “إذا حاصرت عدوك ولم تترك له مهربا فسيحارب حتى النهاية”. وشرح لرويترز “في الغرب كانت الفكرة الرئيسية هي ترك ممرّ. لكن الحشد أصر على إغلاق هذه الثغرة لمنع داعش من الذهاب إلى سوريا”.

ومعركة الموصل هي الأكبر في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003. وفي المجمل يحارب نحو مئة آلف شخص في صف الحكومة بما في ذلك جنود الجيش والشرطة وقوات البيشمركة الكردية ومقاتلو وحدات الحشد الشعبي. ويقدم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة دعما جويا وبريا.

وتظهر وثائقُ تخطيطا وضعته منظمات إنسانية قبل الحملة على أساس الخطة الأصلية لها، يتضمن تركيز مخيمات في مناطق يسيطر عليها الأكراد في سوريا لنحو 90 ألف لاجئ كان من المتوقع أن يتوجهوا غربا خارج الموصل.

وقال أحد العاملين في مجال الإغاثة “لم توافق إيران على ذلك وأصرت على عدم توفير أي ممر آمن إلى سوريا. أرادوا تحويل المنطقة بأكملها غربي الموصل إلى مربع قتل”.

وقال هشام الهاشمي وهو محلل عراقي خبير في شؤون المتشددين الإسلاميين وجرى إطلاعه على خطة المعركة مسبقا إن الخطة كانت قائمة في البداية على ترك إحدى الجبهات مفتوحة.

وقال “الخطة الأولى كانت بشكل حدوة الحصان وتسمح بتراجع مقاتلي داعش والسكان إلى الغرب بوجه الهجوم الأساسي القادم من الشرق”.

وقبل أسبوع من تدشين الحملة اتهم زعيم جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية حسن نصرالله، الولايات المتحدة بالتخطيط للسماح لمقاتلي داعش بالخروج إلى سوريا.

وأبعد هدف منع مقاتلي داعش من الفرار باتجاه سوريا، بتمركز ميليشيات الحشد الشعبي في غرب الموصل لتوفّر منصة انطلاق إلى سوريا لدعم الأسد. وبعد هزيمة التنظيم تصبح إيران عمليا مسيطرة عبر وكلائها على منطقة تمتد من الأراضي الإيرانية إلى ساحل البحر المتوسط، مرورا بالعراق وسوريا.

وقال الهاشمي إن إيران ليست الدولة الوحيدة التي ضغطت لإغلاق منفذ الهروب غربي الموصل. فروسيا وهي حليف قوي آخر للأسد تريد قطع الطريق على أي تحرك محتمل للمتشددين إلى سوريا.

ولم تنص الخطة الأصلية للمعركة على إغلاق طريق غربي الموصل إلى أن وافق رئيس الوزراء حيدر العبادي في أواخر أكتوبر على نشر فصائل الحشد الشعبي.

وقال الهاشمي “الحكومة وافقت على طلب إيران اعتقادا منها بأن الحشد سيأخذ وقتا طويلا قبل الوصول إلى الطريق المؤدي إلى سوريا وإنه في خلال هذه الفترة ستمضي الخطة كما هي مرسومة”.

وأعلن عن تحرك الحشد لقطع الممر الغربي يوم 28 أكتوبر بعد 11 يوما من بدء عملية الموصل. وحقق المقاتلون تقدما سريعا وانطلقوا من قاعدة جنوبي الموصل ليغلقوا الممر الغربي الذي يؤدي إلى الخروج من المدينة.

وقال الهاشمي “العبادي تفاجأ بوصول الحشد إلى الطريق خلال أيام فقط والمعركة اتخذت عندئذ شكلا مختلفا وبات عناصر داعش مصممين على القتال إلى النهاية”.

وتجلى ذلك بشكل عملي على الأرض، ما جعل المعركة تزداد صعوبة كلما حاولت القوات العراقية التقدّم داخل أحياء المدينة. ويقول جنود عراقيون إن التنظيم شنّ المئات من الهجمات باستخدام الانتحاريين والقصف بالمورتر وأسلحة القنص ضد القوات المتقدمة وإنّه يستخدم شبكة من الأنفاق تحت مناطق سكنية.

العرب